لكبيرة التونسي (أبوظبي)
عسل السدر والسمر المنتشر في الجبال، لا يختلف اثنان على جودته وقيمته الغذائية، إلا أن الوصول إليه يحتاج إلى الأكثر قوة وشجاعة وخبرة، كما يحتاج إلى معرفة النحال بخبايا التضاريس الجبلية ومساراتها، ليتجاوز العديد من المخاطر خلال رحلة الوصول إليه. ارتفاع سعر هذا النوع من العسل، يجعله هدفاً للطامحين إليه، فهو نتاج نوع من النحل يتسم بصغر حجمه، يعشق البرية ويفرز أجود أنواع عسل الجبال في رأس الخيمة والفجيرة، وتأتي جودته في نوعية الأزهار والنباتات التي يتغذى عليها النحل.
عملية البحث عنه تبدأ بتحضير الأدوات والتسلح بالخبرة للوصول إلى منحنيات الجبال، وأماكن وجوده بين الصخور، وبمجرد أن يرى النحال تجمعاته يكون عليه أن يضع علامة بالقرب منه ويستعد للفوز به بعد خطوات عدة. وهنا يكون قد اجتاز هذه المعركة بسلام، ليبدأ في جني أجود أنواع العسل في المنطقة.
خبرة ومهارة
يهمور راشد الحوسني، نحال يمارس مهنة جمع العسل من جبال رأس الخيمة منذ عام 1996، يرى أن تجربته لم تخلُ من تحديات، موضحاً أن جامع العسل من الجبال، يجب أن يتصف بالشجاعة والخبرة والمهارة، نظراً لطبيعة الجبال الوعرة التي قد تهدد حياة النحالين خلال رحلة البحث عن العسل، موضحاً أن لديه تجارب وخبرات متراكمة منذ كان طفلاً يرافق والده لاستكشاف أماكن تجمع النحل بين الجبال في مختلف المواسم.
أعراف وقيم
وكشف يهمور أن النحالين الباحثين عن العسل في الجبال تجمعهم أعراف وقيم وقوانين تمت صياغتها تلقائياً بينهم، حيث إن كل من يجد خلية ويسبق الآخرين إليها، يضع علامة حولها أو على مدخل الكهف أو بين الصخور، تدل على أن هذه الخلية وجدها نحال وهي الآن في حيازته. وبلغة النحالين أصبحت ملكه ويجب عدم الاقتراب منها، ليعود لها في موسم القطاف بعد اكتمال نضجها، وهذا العرف الذي كان وما زال معمولاً به منذ سنوات، يُحترم إلى حد بعيد، حيث يدخل ذلك ضمن الضوابط الأخلاقية، ومع ذلك بات يُخترق في الآونة الأخيرة من طرف أناس ليسوا على دراية بالعُرف المعمول به في المنطقة، ضاربين عرض الحائط بهذا العرف المتوارث عن الأجداد، لتتعرض الخلية للسطو من دون احترام للنحال الذي وجدها بعد عناء، لافتاً إلى أن المناحل تراجعت عن السابق نظراً لقلة التساقطات المطرية وشح المراعي.
مناطق خاصة
وأورد يهمور، الخبير بمناطق تجمع النحل البري في جبال رأس الخيمة، أنه وحسب الاتفاق الضمني، كل مجموعة لها المكان الخاص بها، ويجب ألا تتجاوز حدودها أو تنتقل إلى حدود المناطق الأخرى، إلى درجة أن الخلية إذا كانت قريبة من بيت أحد الباحثين عن العسل، فإنه يجب عدم الاقتراب منها، بحيث تعتبر ضمن المنطقة الجغرافية لمجموعة بعينها، موضحاً أن الرحلة تبدأ من الفجر وتستمر حتى غروب الشمس، لافتاً إلى أن أكبر غنيمة حصل عليها يوماً هي خلية كانت تزن 20 كليوجراماً، من أجود أنواع العسل.
موروث أصيل
من جهته، قال النحال حمدان سالم الشميلي الذي يمارس هذه المهنة منذ أكثر من 20 عاماً، إن النحال يجب أن يتمتع بخبرة كبيرة، ويتسلح بأدوات تساعده على الدخول إلى الأماكن الوعرة، لافتاً إلى أن هناك تراجعاً عن بعض القيم التي كان معمولاً بها سابقاً بين الباحثين من أبناء المنطقة، فالبحث عن العسل متأصل ومتوارث عن الأجداد، له عادات وتقاليد وقوانين صارمة، وأورد قائلاً: «تعلّمنا من أسلافنا، منذ كنا صغاراً، كيف نبحث عن العسل لقطفه، مع احترام تام للبيئة والطبيعة»، مؤكداً أن العسل الطبيعي ذا الجودة العالية يستحق رحلة العناء للحصول عليه.
جني العسل
وأشار النحال محمد الريامي، إلى أن الباحثين عن عسل الجبال والبرية يخوضون معارك وسط الطبيعة، حيث إن البحث عن خلايا النحل البري يبدأ قبل الموسم بفترة، فموسم السمر يبدأ بين شهري مايو ويونيو، بينما موسم السدر يبدأ بين شهري أكتوبر ونوفمبر، مؤكداً أن البعض يعمل على نقل الخلايا إلى مواقع وجود أشجار السدر أو السمر بعد جني العسل، ليتمكن النحل من تجميع عسل جديد من رحيق هذه الأشجار.
توخي الحذر
لفت النحال محمد الريامي إلى أن النحالين يواجهون مخاطر كثيرة في الجبال، منها ارتفاع درجات الحرارة والتعرض للعطش، إضافة إلى انتشار الأفاعي في الجبال، وقد يتعرض النحال في حال عدم توخي الحذر، إلى السقوط من حواف الجبال. وشدد على أهمية أخذ الاحتياطات والتزود بالأدوات اللازمة والماء والحبال، ومرافقة مجموعة من أصحاب الخبرة، وإبلاغ الأقارب بمواقع البحث عن العسل، وأوقات العودة لإنقاذ أي مستغيث في حال حدوث مكروه.