نيويورك (الاتحاد)

قبل أيام قليلة، أحدثت صحيفة نيويورك تايمز تغييراً كبيراً في بدايات كل موضوعاتها. إذا لم تعد قصص الصحيفة الأميركية الشهيرة تبدأ بمجرد اسمي المحرر والمدينة التي كتب منها قصته. طورت إدارة التحرير الأمر، لمنح القراء فكرة أفضل - ليس فقط - عن الموقع الجغرافي والمحرر، بل وكيف تم إعداد القصة وفي أي ظروف ومكان كتبها المحرر.
وقبل أيام أرسل مدير التحرير مارك لاسي ومساعد مدير التحرير مات إريكسون إلى المحررين في صالة التحرير رسالة عبر البريد الإلكتروني، جاء فيها «بدلاً من أن نكتب (واشنطن) في بداية قصة خبرية من البيت الأبيض أو الكونجرس، سنضع عبارة (نكتب من واشنطن) في سطر فرعي ببنط أوضح، أو نشير للموقع الذي كتبنا منه قصتنا ضمن وصف أوسع لطريقة إعداد التقارير». قد تبدو الطريقة الجديدة محاولة طريفة للتجديد، لكن في الواقع، الأمر يتجاوز مجرد التسلية. فالأسلوب الجديد تعتبره الصحيفة تعديلاً مهماً للغاية يزيد من مصداقيتها ويجعل القارئ أكثر ثقة في أمانتها ورصانتها لأنه في كل قصة، سيتبين للجمهور أن مراسلي نيويورك تايمز كانوا هناك في الميدان بموقع الحدث. ترى الصحيفة أن الطريقة القديمة، كانت تثير الارتباك لدى القارئ. فمجرد كتابة اسم المدينة في بداية الموضوع، قد يفهم منها إنها مجرد إشارة لمجرد مكان وقوع الحدث.. لكن الطريقة الجديدة تؤكد بوضوح من أين بالتحديد كتب الصحفي قصته. تقول إدارة التحرير «هذا الشكل الجديد واضح ولا يدع مجالاً للشك في أن لدينا مراسلين على الأرض، وهو مقياس حاسم لقوة صحافتنا. تظهر أبحاث الجمهور أن القراء مرتبكون بسبب الطريقة التقليدية في كتابة أول كلمات من الموضوع التي توضح مكان الحدث. يفهم الكثيرون أنها تشير إلى موقع الأخبار ولكن ليس أننا كنا هناك».وتضيف أن الحاجة تشتد أكثر لبيان هذا الأمر عندما تكون القصة الخبرية المنشورة تم إعدادها من أماكن شتى، وتمكن الصحفيون من إعدادها بعد جهد خاص للغاية.. لذلك من المهم الإشارة إلى كل ذلك في المقدمة قبل الفقرة الأولى. تريد نيويورك تايمز بذلك، أن تقول للقراء بطريقة غير مباشرة.. عزيزي القارئ لقد كنا شهود عيان خبراء على ما جرى. وبالتأكيد يعزز ذلك من مصداقيتنا.
بدأت التايمز التجربة منذ يناير 2022، أولاً في أقسام الاقتصاد والأخبار الدولية، ثم توسعت لاحقاً لتشمل أقسام أخرى. وقال إدموند لي، الذي عمل من قبل في قسم الاقتصاد، وهو الآن مسؤول في فريق «الثقة» بالجريدة،‎ الذي ساعد في ابتكار التنسيق الجديد كجزء من مهمته لتعميق الشفافية: إن فكرة تحسين المقدمات ببعض التوصيفات لتحل محل البدايات القديمة قد تم بحثها كثيراً في صالة التحرير منذ عام 2017. ووجد فريقه - بعد بحوث - أن القراء يثقون في الصحافة أكثر عندما يعرفون كيفية إنتاجها.قال لي: «أحد العناصر المحددة في مؤتمراتنا الصحفية التي لطالما أربكت القراء هو ما قبل المقدمة.. الناس لا يعرفون ما تعنيه. عندما يرون واشنطن أو لندن بأحرف كبيرة في مقدمة القصة، قد يفهمون أن القصة حدثت في واشنطن أو لندن، لكنهم لا يعرفون بالضرورة أن المراسل كان حاضراً فعلياً في تلك المواقع. جزء كبير من ضمان الثقة هو السماح للناس بمعرفة أننا في المكان الذي نقول إننا فيه». وتساعد التغييرات الجديدة في فرص ظهور قصص نيويورك تايمز على محرك البحث جوجل الذي أدخل في ديسمبر الماضي تعديلات على الخوارزميات، بحيث تكون الأفضلية في الظهور على نتائج البحث لكل مادة تتوفر فيها شروط الخبرة.
موضة
مؤخراً بدأت كثير من المنصات الإخبارية الأميركية أخرى في تجربة أشكال مختلفة من البدايات الاستهلالية للقصص الإخبارية بطريقة محسنة وموسعة  عادة في الجزء العلوي من القصة قبل الفقرة الأولى. وتقدم فيها تلك المنصات لمحات سريعة من مسيرة الكاتب المهنية أو تفاصيل بسيطة عن تخصصه الأساسي والقضايا التي تمثل محور أعماله.
ما هي القصة وراء القصة؟!
في واحدة من القصص المنشورة مؤخراً في «نيويورك تايمز» كتبت الصحيفة مثلاً في بدايتها اسم الكاتب على هذا النحو.. 
«بقلم مايكل واينز»
على مدار شهرين، بحث مايكل واينز في الصحف وقواعد البيانات على الإنترنت ومصادر أخرى لتجميع قائمة تضم ما يقرب من 400 محاكمة تزوير للناخبين على مدار السنوات الخمس الماضية. كتب التقرير من واشنطن». وقبل أيام نشرت الصحيفة قصة لمراسلها من السودان، إليان بلتير كتبت في بدايتها بعد اسمه مباشرة وهو المصور المرافق ياجازي إيميزي، الآتي..
«زار إليان بلتيير وياجازي إيميزي مخيمات للاجئين على الحدود بين تشاد والسودان، حيث وجد عشرات الآلاف من الفارين المأوى منذ اندلاع الحرب في السودان الشهر الماضي.»
وكانت القصة عن اللاجئين السودانيين الذين فروا من نيران المعارك العنيفة.