نيويورك (الاتحاد) 
في خطوة تنهي حقبة رائدة من الصحافة الإلكترونية، أغلقت منصة «بازفيد» فرعها الإخباري «بازفيد نيوز»، الذي يعد أحد رموز وسائل الإعلام الجديد على الإنترنت، كجزء من خطة للتوفير في التكلفة. انطلقت المنصة قبل سنوات كمشروع رائد فتح الباب واسعاً أمام الصحافة الرقمية التي سارت على دربه، وبلغت ذروة المجد والنجاح باستقطاب جمهور غفير والفوز بجائزة بوليتزر.. لكنها لم تستطع الصمود بسبب تغيرات كثيرة عصفت بها كما تعصف بغيرها من المنصات الجديدة. لم يكن أحد يتخيل تلك النهاية للمنصة التي كان ينظر إليها عند ظهورها بأنها أخطر تحدي للإعلام التقليدي الذي كان يعاني من ضعف قدرته على التكيف مع عصر الإنترنت. وبهذه النهاية صار كثيرون يتساءلون هل انتهت حقاً الفورة الرقمية التي يغذيها رأس المال الاستثماري بعدما تركت بصمة لا تمحى على كيفية إنتاج الصحافة واستهلاكها.؟!
تأسست BuzzFeed News في 2011، قبل عام من الانتخابات الرئاسية الأميركية، وصنعت إعلاماً جديداً بعناوين مثيرة وصور جذابة وطرق مختلف لعرض المادة من خلال نظام القوائم، كلها تقريبا كانت مصممة للانتشار بشكل فيروسي عبر وسائل التواصل الاجتماعي.. فكل شيء كان معداً ومجهزاً من أجل نقرة القارئ. وهي في ذلك استفادت طبعا الشركة الأم، التي هي بمثابة مختبر إنترنت بدأه جونا بيريتي في 2006، كما تقول الصحفية الكندية إليكسس بوتيلير.
وسرعان ما لفتت المنصة الإخبارية الانتباه بسبب تقاريرها الطموحة والحادة، واستمرت في فتح مكاتب في الخارج والاستثمار في الصحافة الاستقصائية. وتدريجيا صارت المؤسسات العريقة مثل نيويورك تايمز وول ستريت جورنال وبلومبرج نيوز، تتبنى نهج وأساليب المنصة حديثة العهد لإغواء واستقطاب القراء المتسكعين عبر الإنترنت.

  •  

وعلى الرغم من كل إنجازاته، فشل قسم الأخبار في كسب المال، إذ لم يتمكن من وضع المعادلة الصحيحة للتوفيق بين الاعتماد على الإعلانات الرقمية وتقلبات السوشيال ميديا والتكاليف الكبيرة لتوظيف الصحفيين في جميع أنحاء العالم. وكتب جونا بيريتي رئيس المؤسسة في مذكرة للموظفين مؤخراً «نقلص اليوم عدد الموظفين 15%... ونبدأ إغلاق بازفيد نيوز الموقع الإخباري المنفصل عن موقع الترفيه الرئيس بازفيد دوت كوم... في حين تتم عمليات تسريح في جميع الأقسام تقريبًا قررنا أن الشركة لم تعد قادرة على الاستمرار في تمويل بازفيد نيوز كمنظمة مستقلة». ويمثل 15% من القوى العاملة 1200 شخص من أصل 8000 في «بازفيد». وسوف تستغني الشركة عن 120 موظفاً آخرين.
باختصار، تعكس BuzzFeed بعضاً من خيبات تجربة شركات الإعلام التي سعت لاستغلال منصات التكنولوجيا للوصول إلى الجماهير بقصص خبرية مثيرة وجذابة، لتحقيق الأرباح.
هل تصبح المنصات الرقمية موضة قديمة؟
قال بن سميث، أول رئيس تحرير لمنصة لـ BuzzFeed إنه «حزين حقا» بشأن الإغلاق. وأضاف في مقابلة: «أنا فخور بالعمل الذي قامت به BuzzFeed News، لكنني أعتقد «أن هذه اللحظة هي جزء من نهاية حقبة كاملة من وسائل الإعلام». وكان سميث تولى مسؤولية المنصة من 2011 حتى 2020 عندما انتقل إلى نيويورك تايمز. وأضاف بن سميث: «إنها نهاية الزواج بين وسائل التواصل الاجتماعي والأخبار».
وأصدر بن سميث كتاباً جديداً بعنوان «حركة المرور: العبقرية والتنافس والوهم في سباق المليار دولار للانتشار الفيروسي»
Traffic: Genius، Rivalry، and Delusion in the Billion-Dollar Race to Go Viral.
 يدور الكتاب حول صعود وسقوط عصر المنصات الاجتماعية في وسائل الإعلام، من خلال استعراض تجربة منصتيGawker Media وBuzzfeed والصحفييين البارزين اللذين كانا وراء التجربتين، نيك دينتون وجونا بيريتي.
وفي مقابلة مع المدون والصحفي نيلاي باتل عبر مدونته الصوتية نشرت نصها منصة «ذي فيرج»، قال بن سميث إننا نعيش الآن نهاية حقبة معينة من تاريخ الإنترنت، وإن ذلك هو سبب قيامه بتأليف كتابه الجديد، مؤكداً أن الظاهرة الإعلامية الضخمة التي انطلقت في العقد الأول من القرن الواحد والعشرين تلفظ الآن أنفاسها الأخيرة.

  •  

ويضيف بن سميث الذي جمع وشريكه جاستن سميث 25 مليون دولار وأطلقا منصة Semafor ونشرات إخبارية تغطي أميركا وأفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، إنه مع إغلاق BuzzFeed News، وطرد تاكر كارلسون من فوكس نيوز، يبدو الأمر وكأنها نهاية حقبة، مشيراً إلى أن ما يحدث الآن هو تحول اجتماعي هائل لا أحد يدري إلى أين سيفضي، وقال بوضوح إن «الحقبة التي ربما بدأت أو يمكن القول إنها بدأت في أوائل التسعينيات قد انتهت، ونحن ننتقل إلى مكان جديد».
واعتبر العقد الأول من الألفية، مرحلة تاريخية فاصلة ما بين قبلها وبعدها، خاصة مع الانفجار الكبير في الميديا الجديدة عام 2010، الذي مازلنا نعيشه حتى الآن. وأوضح سميث أن المشهد الإعلامي برمته يخضع للتغيير سواء تعلق الأمر بإغلاق منصات أو تغييرات جوهرية تعصف بمنصات أخرى مثل تويتر مع صعود قنوات تواصل مثل «البودكاست» التي هي «نوع مختلف تماماً من الوسائط عن Facebook أو Twitter سريع الانتشار ومفتوح على مصراعيه».
وأشار إلى أن «فيسبوك موجود، لكنه فقد الكثير من قوته الثقافية وأهميته. لم يعد ينمو في الولايات المتحدة بعد الآن، لا أعتقد. لقد فقد أرضيته في الولايات المتحدة. ويبدو أن تويتر يتفكك»، ومع ذلك، فقد فأن كل هذا «لا يعني أن هذه الأشياء ستختفي تماما».
وعقد سميث مقارنة طريفة بين المنصات الرقمية الشعبية مثل بازفيد التي ظهرت في 2012 وبين قنوات الكيبل التي مثلت ثورة في صناعة الميديا خلال ثمانينيات القرن الماضي. قائلاً إن بازفيد وأخواتها هما التطور الطبيعي لـ CNN وملحقاتها من الشبكات الإخبارية التي انطلقت لتبث الأخبار على مدار الساعة قبل نحو 40 عاماً.
لكن يبدو أن التجربة خفت وهجها بعض الشيء. صحيح هي لم تمت تماماً، لكنها أبدا لم تعد كما كانت تعد. فهل مرد الأمر شعور الجمهور بالملل من تسكعه هنا وهناك أم أن الأمر يربط أساساً بما تقدمه تلك المنصات.
ظاهرة مؤسفة
يعد قرار إغلاق «بازفيد نيوز» هو الأحدث في سلسلة من النكسات المالية التي تواجهها شركات الإعلام الرقمي. فبعد أن كانت محور التفاؤل الهائل والاستثمار من عمالقة الصناعة بما في ذلك شركة والت ديزني وكومكاست، فشلت شركات الإعلام الجديد مثل BuzzFeed وVox Media وVice في الارتقاء إلى مستوى تقييماتها المرتفعة سابقا.
وسرحت فوكس 7 في المئة من موظفيها في يناير الماضي وألقت باللوم على المناخ الاقتصادي غير المستقر فيما تبحث Vice ، التي كافحت ماليا لسنوات، يائسة عن مشتر. وأعلنت شركة Insider أنها ستستغني عن 10 في المائة من موظفيها بالولايات المتحدة، وهي خطوة عزتها الشركة للرياح المعاكسة الاقتصادية الأوسع.