لكبيرة التونسي (أبوظبي)
يتعرض الكثير من الناس يومياً لمصادر متنوعة من الضغوط الخارجية بما فيها ضغوط العمل والدراسة والضغوط الأسرية وضغوط تربية الأطفال والمشكلات الصحية والمالية وتكاثر الأعباء الاجتماعية أو الانتقال إلى بيئة جديدة والعجز عن تنظيم الوقت والصراعات الأسرية والأزمات المختلفة التي قد نتعرض لها على نحوٍ متوقعٍ أو غير متوقع.
ويرى الاختصاصيون في هذا المجال، أن الضغط النفسي إحدى مشكلات العصر الحديث، والذي بدا واضحاً بأنه يقلق المجتمعات في الجوانب السياسية والاقتصادية والاجتماعية، لما ينتج عنه من أمراض صحية كثيرة مثل أمراض القلب وارتفاع ضغط الدم والقرحة وسواها. ويؤكد الخبراء أن الضغط النفسي أصبح شائعاً لدى مختلف الفئات، ويقلق حياة الأفراد وينعكس على حياة الأسرة، فما هو مفهومه؟ وكيف يمكن التغلب عليه؟
سعادة مفقودة
قالت نوال الأحمد أم لطفلين، إن حياتها الميسورة، لم تمنحها السعادة المطلقة، فهي تعيش قلقاً دائماً نتيجة لشعورها بالوحدة، ما جعلها تزور أطباء وصفوا لها الكثير من الأدوية، لكنها لم تتحسن إلى أن غيرت أسلوب حياتها، حيث باتت تمارس الرياضة وتقرأ الكتب، فلمست القليل من التحسن. 
والضغط النفسي يعاني منه الكبار والصغار، كحالة الشابة نرجس اللبار، التي تخرجت قبل 3 سنوات في الجامعة ولم تحصل على وظيفة بعد، ما جعلها تعيش تحت ضغط نفسي دائم. حالات كثيرة تعاني من الضغوط النفسية، نتيجة الاختيار الخاطئ، مثل السيدة منى العباسي، وهي مطلقة وتتحمل مسؤولية شابين في بداية المرحلة الجامعية، وكان من الصعب عليها إدارة ضغوطاتها النفسية، ما دفعها للبحث عند الاختصاصيين، كي تتخلص من مشاكلها التي باتت تعوق حياتها وتؤثر على حياة أبنائها. 
مفهوم غامض
وذكرت وفاء محمد آل علي مدير إدارة الإرشاد والاستشارات الأسرية في مؤسسة التنمية الأسرية، أن مفهوم الضغط النفسي ما زال من أكثر المفاهيم غموضاً، وهنالك صعوبة في تحديد تعريف محدد له ودراسته بشكلٍ دقيق، وذلك لارتباطه بمفاهيم متقاربة من حيث المعنى، وارتباطه كذلك باتجاهات نظرية مختلفة. وقالت إن العلماء والباحثين لم يتوصلوا إلى اتفاق مشترك حول معنى «الضغط النفسي»، وما زال هذا المصطلح غامضاً ويحتاج إلى المزيد من الأبحاث، ويمكن تعريفه بأنه حالة من الإجهاد الجسمي أو العقلي الذي يحدث تغييرات سريعة في الجهاز العصبي المستقل، والتي تحاول إجبار الشخص على التصرف بشكلٍ يرضيه أو لا يرضيه، ويكون الضغط صادراً من الفرد أو من البيئة.

أسباب 
وأوردت آل علي أن مسببات الضغوط النفسية إما بيئية مادية وتشمل عوامل تؤثر في الإنسان كالمناخ والهواء والأرض ودرجة الحرارة والبرودة، والازدحام، وإما اجتماعية ناتجة عن سوء العلاقة بين الأفراد والجماعات، ومنها العلاقات الأسرية وعلاقات العمل والعادات والتقاليد. أما الأسباب النفسية ذات العلاقة الوطيدة بملامح وسمات شخصية الفرد، فهي الأكثر تأثيراً، موضحة أن الضغوط النفسية تنقسم إلى نوعين أساسيين: ضغط إيجابي وهو محفز للفرد، وضغط سلبي ويسبب الكرب والضيق، أما الضغوط الدائمة فهي ناتجة عن المواجهة المستمرة للضغوط بدون فترات راحة.
تأثيرات  
وعن التأثيرات الفزيولوجية للضغوط وانعكاسها على الصحة النفسية والجسدية قالت آل علي: إن ردود أفعال الجسم كتسارع دقات القلب والتعرق، وسواها تُعتبر مفيدة حيث تهيئ الجسم ليكون مستعداً للاستجابة للتحديات الموجهة له. والتأثيرات النفسية سلباً وإيجاباً بالمستوى الطبيعي، تعمل كدوافع تشكل سلوك الفرد وتزيد من فرص نجاحه وقدرته على الإنجاز، لكنها إذا زادت عن قدرة الفرد على التكيف معها وقدرته على الإنجاز، فقد تستنزف طاقاته النفسية، ويصبح فريسة للاضطرابات النفسية، في حين أن التأثيرات الانفعالية تتمثل في قلة القدرة على الانسجام واسترخاء العضلة حتى تعطي شعوراً بالتحسن.
مراحل
أكدت وفاء آل علي، أن الضغوط النفسية تمر بـ3 مراحل: الأولى تسمى استجابة الإنذار حيث يستدعي الجسم كل قواه الدفاعية لمواجهة الخطر الذي يتعرض له، والثانية تسمى المقاومة وتشمل الأعراض الجسدية التي تنتج عن التعرض المستمر للمنبهات، والثالثة تسمى الإنهاك أو الإعياء حيث يصبح الفرد عاجزاً عن التكيف بشكل كامل في هذه المرحلة التي تؤدي إلى انهيار الدفعات الهرمونية وتضعف مقاومة الجسم.

التوافق الزوجي
وعن علاقة الضغوط النفسية بالأسرة وكيف يمكن إدارتها قال عرفات سيف الكعبي رئيس قسم الإرشاد الأسري في مؤسسة التنمية الأسرية: إن الضغوط اليومية التي يمر بها الفرد، تُعتبر من المظاهر الرئيسة والحيوية التي تؤثر في حياته المعاصرة، موضحاً أن هذه الضغوط هي ردة فعل للمتغيرات السريعة التي طرأت على نواحي الحياة، ما أدى إلى تغيير في ديناميكية الأسرة ووظائف أفرادها، مؤكداً أن الزواج الناجح قائم على قدرة كل طرف على التواؤم مع الآخر ومطالبه وحاجاته، وقدرة الزوجين على مواجهة الصعوبات التي تلقي بظلالها على الحياة الزوجية، موضحاً أن الدراسات تؤكد أن التوافق الزوجي والتواصل الفعال يزيل العقبات والمشاكل التي تواجهها الأسرة.
مهارات
ولتحقيق الانسجام وتجاوز الضغوط النفسية التي تعاني منها الأسرة، أكد الكعبي على ضرورة تنمية المهارات اللازمة لمعالجة الضغوط، والتي تبدأ بالقدرة على تحديد أسباب الضغط ثم أخذ خطوات لإدارتها، والبحث عن الدعم والمساندة من الاختصاصيين، مشيراً إلى أن التواصل الفعال والحوار القائم على الاحترام من أهم المهارات التي تؤدي إلى تقليل الضغوط بين الزوجين. ولفت إلى أن العلاقة التي يسودها الحب والدفء تمثل مصدراً للوقاية من الآثار السلبية الناتجة عن تعرض الفرد للأحداث الضاغطة، وترفع تقدير الفرد لذاته، ما يساعد الفرد في مواجهة الأحداث الضاغطة، وتوزيع الأدوار والمهام بشكل صحي في الأسرة.

الضغوط الإيجابية
الضغوط النفسية ليست دائماً سلبية، وهذا ما أكده الدكتور عبداللطيف العزعزي مستشار جودة الحياة الشخصية والذي أشار إلى أن الضغوط إما إيجابية أو سلبية، والأولى مفيدة ولها انعكاسات إيجابية، حيث يشعر الفرد بالقدرة على الإنتاج وإنجاز المهام بسرعة وبكل حسم وسرور، ما ينعكس على إنتاجية العمل. تتسم بأنها ضغوط معتدلة تثير الحافز للنجاح والقدرة على الإنتاج. أما الضغوط السلبية فهي تلك الضغوط المزعجة والمؤذية ذات الانعكاسات السلبية على الحالة النفسية والجسدية للإنسان العامل، وبالتالي تنعكس على أدائه وإنتاجيته، وتولد الإحباط وعدم الرضا بالإضافة إلى نشوء النظرة السلبية.
إدارة ناجحة
لتحقيق التوازن في الحياة، وتجنب الضغوط السلبية، قال العزعزي: للضغوط آثار سلبية ذهنية ونفسية وجسدية كثيرة، والنفس البشرية لها سعة محدودة، ولذا يجب التركيز على رأس المال النفسي الإيجابي، بحيث نعيد توازن النفس ونرجعها إلى قوتها وطبيعتها السابقة. وهذا يتم بأمور عدة منها: التفكير الإيجابي، والتركيز على نقاط القوة من مهارات وقدرات، والتفاؤل بإيجاد الحلول للمشاكل وإطلاق الأمل بقدرتنا على رؤية الإيجابية في الأمور الحالية والمستقبلية والتحلي بالمرونة والثقة بالنفس لبذل الجهد اللازم للوصول إلى نتائج إيجابية.
نتائج خطيرة
تشير الإحصاءات العالمية إلى أن 80% من الأمراض الحديثة سببها الضغوط النفسية، و50% من مشاكل المرضى المراجعين للأطباء والمستشفيات ناتجة عن الضغوط النفسية، كما أن 25% من أفراد المجتمع يعانون شكلاً من أشكال الضغط النفسي. وهذا ما أكدته مؤسسة التنمية الأسرية، موضحة أن الضغط النفسي ونتائجه على الأفراد من المواضيع المهمة التي شغلت وما زالت تشغل العلماء والباحثين في مجالات الصحة العامة وعلم النفس والتربية ومختلف العلوم الإنسانية، لما تتركه من نتائج خطيرة على الأفراد والجماعات.