خولة علي (دبي) 

سوق العرصة أحد أقدم الأسواق الشعبية في الإمارات، يقع في قلب الشارقة القديمة ويعود بناؤه إلى أكثر من 150 عاماً. فيه من الذكريات الكثيرة التي ما زال يسترجعها كل من عاصر تلك الحقبة أو دوّن تاريخ تطور الحياة الاقتصادية والاجتماعية فيها، وما ردده الأجداد الذين استطاعوا أن يرسموا خطاً تجارياً واسعاً في ظل الحياة البسيطة التي عاشوها. وهذه المحطة التي كانت عبارة عن فضاء واسع، شكلت نقطة جذب للكثير من التجار لعرض تجارتهم المتنوعة التي افترشت الأرض، لتقام على إثرها الكثير من التعاملات التجارية والمقايضات. 

الحركة التجارية 
للتعرف على السوق في الأربعينيات والخمسينيات والستينيات من القرن الماضي، نتوقف عند عبدالرحمن الخاجة أحد أهالي المنطقة والذين ترعرعوا بالقرب من السوق، موضحاً أن «العرصة» تعني الفضاء الواسع التي تحوطه البيوت القديمة الباقية حتى اليوم بعدما تم ترميمها، ومنها بيت النابودة ومجلس النابودة. وذكر أن أكثر من كان يقصد السوق هم تجار اللؤلؤ والطواويش الذين يشترون اللؤلؤ من الغواصين لبيعه في هذه الساحة. وتقع خلف السوق محطة لإناخة إبل البدو من التجار الذين يجلبون بضائعهم عليها من حطب وتمور وفحم، وبعض الفواكه كالهمبة أي المانجو، من الذيد ومن تجار المنطقة والدول المجاورة كعمان وقطر والبحرين والكويت. وقد شهد السوق زخماً من التعاملات التجارية من بيع بالمفرق والجملة والمقايضات، كما شهد حركة اجتماعية واسعة.

ساحة ثقافية 
ويلفت الخاجة إلى أنه نظراً لاهتمام الأهالي قديماً بالشعر والأدب، فقد كان السوق ساحة لتجمع الأدباء والشعراء الذين يلقون قصائدهم الشعرية ليسمعها كل من يرغب بتذوق جمالية المفردة والمعاني والألفاظ التي تُطرح في ساحة العرصة بعيداً عن ساحة البيع والشراء وضجيجها.
وهكذا أصبح السوق محطة للمثقفين وليس للتجارة فقط، إذ إنه قرب الجميع وجعلهم على اتصال دائم فيما بينهم، كما كان المكان محطة لنقل الأخبار وتداولها، من التجار الذين يفدون من الدول المجاورة. 

وجهة للسياح 
عن نمط السوق وترميمه يوضح الخاجة أن هذا الفضاء الواسع تحول إلى محال تجارية قائمة بنمط الأسواق الشعبية القديمة. ويحتوي سوق العرصة على محال بيع التحف والقطع التراثية، وبعض المقتنيات من النحاس والفضة والخشب والأجهزة والمصوغات والمجوهرات التقليدية واللؤلؤ والعملات والملابس التقليدية والأعشاب الطبية والألعاب الشعبية ونماذج السفن والتمور، وسواها من البضائع التي تحولت إلى تذكارات مهمة للزوار والسياح، الذين يحرصون على التقاط صور لهم في أروقة السوق. وتفوح في جنبات السوق المأكولات الإماراتية الشعبية والقهوة العربية الأصيلة التي تحتفي بالزوار. 

77 محلاً
يضم السوق حالياً 77 محلاً، وعدة أبواب خشبية واسعة تفتح في الصباح الباكر، وتقف في صفوف متراصة وتقابلها مجموعة من الدكاكين المطلة على ممر متعرّج يقود الزوار إلى الداخل حيث الفناء الواسع تعلوه إنارة طبيعية، وجدرانه مشيدة من الحجر المرجاني ومزينة بالفوانيس.