خولة علي (دبي) 

لطالما اعتُبرت الأسواق قديماً، جسر تواصل بين الشعوب لتبادل الثقافات والحضارات، وكانت تمثل ملتقى اجتماعياً واقتصادياً لأهالي المنطقة، إلى جانب دورها التجاري. وهي نافذة للانفتاح على المدن والعالم لتنشيط عملية الاستيراد والتصدير، وفقاً لطبيعة واحتياجات السكان. وعلى ضوء ما فيها من أنشطة وتنوع اقتصادي، نجد تدفق حركة التجارة الداخلية إلى المدن الساحلية التي اشتهرت بأسواقها، ومنها «سوق عجمان القديم» القابع على الخور. 
يشير علي المطروشي، مستشار تراثي، إلى أن الأسواق في الماضي، كانت تمثل مرفقاً حيوياً مهماً، ونظراً لتنوع البيئات الطبيعية في الإمارات، تباينت الأنشطة الاقتصادية التي مارسها السكان منذ القدم، وكانت مدن الساحل مراكز تسوق لأبنائها وأبناء البادية والقرى الجبلية نظراً لتوافر السلع والخدمات المتنوعة فيها، بحكم العلاقات التجارية مع الأقطار الأخرى كالهند وكراتشي وبلاد فارس والبصرة والبحرين والقطيف وعُمان وعدن وجزيرة سقطرى، وصولاً إلى زنجبار، وسواها من المدن التجارية. 

ملامح السوق 
ويشير المطروشي، قائلاً: عادة ما كانت تقع الأسواق قديماً على الخور، ومنها سوق عجمان، لاعتمادها على النقل البحري في استيراد وتصدير البضائع، ولتسهيل عملية نقل البضائع من السفن إلى الأسواق وبالعكس. وكان السوق عبارة عن 15 دكاناً متقابلة ومشيدة من الحصى والجص وسقفها من الجندل، وبين الدكاكين أيضاً تظهر مظلات مبنية من الدعون. وقد أزيل هذا السوق عام 1972، وكان يضم عدداً من المحال كالبقالة، والخياطة والأقمشة، بالإضافة إلى مقاه شعبية. 
ويضيف المطروشي، أن مجاميع الدكاكين بالسوق تعود إلى فترة الأربعينيات من القرن الماضي وما قبلها، وتقع في الجانب الغربي من الخور، بعضها مبني من جريد النخيل، وأخرى كانت مملوكة للحكومة، ومؤجرة للتجار، بمقدار 2 روبية في الشهر. وكان راشد بن خصيف «رحمه الله»، هو من يجبي الإيجارات من أصحاب المحال للحكومة. 

صادرات وواردات
ومن أشهر الواردات بالأسواق المحلية قديماً، الحبوب بأنواعها من أرز وقمح، بالإضافة إلى التمور والسكر، والأقمشة ولوازم البناء من خشب الجندل والتيك، وأيضاً الأدوات المنزلية من أوانٍ معدنية وصناديق خشبية، فضلاً عن العطور والسجاد والحِلي، والعقاقير الطبية التي كانت تُستخدم في العلاج بالطب الشعبي. 
أما صادرات الأسواق المحلية إلى الخارج، حسب المطروشي، فمنها المنتجات البحرية كاللآلئ، والتي كانت تنقل إلى مدينة بومباي لتباع فيها، وأيضاً الأصداف التي كانت تصدَّر إلى فرنسا ودول أوروبية، إلى جانب السردين والأسماك المملحة، إضافة إلى المنتجات الزراعية كالتبغ والتمور التي كان يتم جلبها من البصرة والقطيف، ويتم نقلها وتصديرها إلى الهند وشرقي أفريقيا.

شعراء ووعاظ 
ويؤكد المطروشي أن السوق لم يقتصر دوره على النشاط الاقتصادي فقط، إنما كان عبارة عن ملتقى اجتماعي وثقافي يجتمع فيه المثقفون والأدباء بالمقهى الشعبي، ليتبادلوا ألوان الأدب والشعر النبطي والشعر الفصيح. أما حمد بن غانم الشامسي، أحد علماء الدين، فقد حوّل دكانه إلى مجلس لإلقاء مواعظ دينية مع استعراض أحد أهم الكتب أمام الحضور، الأمر الذي جعل من هذا السوق متنفساً للأهالي الذين يرتادونه ويقضون فيه أوقاتاً ممتعة، بعدما أصبح منبراً للعلوم وتبادل الأخبار، والتعرف على أبرز الأحداث التي تشهدها المنطقة، من خلال ارتياد المقاهي التي كانت تشهد أيضاً فقرات من الطرب الخليجي الأصيل مع دخول جهاز «الجرامافون».

ذكريات
مع تغير معالم الأسواق لاحقاً وتطور المدينة، وظهور الأسواق الحديثة التي اكتست بحلة تتماشى مع إيقاع الحياة العصرية والاستهلاكية، يبقى «سوق عجمان القديم» أصيلاً دافئاً ومحملاً بالكثير من الذكريات التي ما زالت عالقة في أذهان الناس على مر العصور. وهو وجهة لعبق الماضي بدكاكينه المتلاصقة، وما فيها من أصوات ما زال صداها يتردد بين جنباته عازفاً لحن الزمن الجميل. 

حمّال وحلّاق
يتحدث علي المطروشي عن وجود خدمات كانت متوافرة في السوق، من حمالين معنيين بنقل البضائع على ظهورهم إلى بيوت الزبائن، وبائعي المياه الذين ينقلونها من الآبار على الحمير والجياد أو على ظهورهم بوساطة «الكندر»، وهو وعاء تنقل فيه المياه إلى البيوت. وتوافرت أيضاً خدمة الحلاقة في السوق، حيث كان الحلاق يفترش الأرض ويستقبل زبائنه.