خولة علي (دبي)

لا تزال بعض الأسواق الشعبية القديمة تحافظ على مظهرها، بالرغم من زحف التمدن، وتبقى أيقونات ساحرة تتجلى بتصاميمها المعمارية التقليدية البسيطة، لتظل محافظة على جاذبيتها وسحرها أمام الزوار ممن يرون فيها ذاكرة الحياة الاجتماعية وتوثيقاً للتطور الاقتصادي للمنطقة. ويعتبر «سوق أم القيوين» من الأسواق المهمة التي اشتهرت قديماً، نظراً لموقعها الاستراتيجي الذي أسهم في تنوع بضائعها، وسهولة التبادل التجاري عبر المنافذ البحرية وقتها. ويعود تاريخ نشأته لأكثر من 100 عام، وقد شكل حراكاً تجارياً متفرداً في المنطقة، كمركز لتجمع الناس من مناطق مختلفة، رغبة في تلبية احتياجاتهم اليومية، وكمتنفس للأهالي للتعرف على مستجدات الأحداث من أخبار يتناقلها الرواد. 
يروي الباحث سلطان بن غافان، الذي ترعرع ونشأ في الفرجان القديمة القريبة من السوق في ستينيات القرن الماضي، ذكرياته عندما كان يتردد على  «سوق أم القيوين» للتبضع واللهو مع رفاقه في باحته التي شكلت متنفساً لهم، موضحاً أن السوق يُعد من الأسواق الضاربة في القِدم وهو مزدهر بالبضائع المحلية والمستوردة. كان السكان يشدون الرحال إليه طلباً للشراء والتزود باحتياجاتها من المواد الغذائية والملابس وسواها. وعلى صغر مساحته، إلا أنه شاهد على حجم التعاملات التجارية الكبيرة التي كانت تدار فيه. 

دكاكين  
ويشير بن غافان إلى أن «سوق أم القيوين» القديم كسائر الأسواق، تتنوع بضائعه، وينقسم لعدة جهات، فمن الغرب يضم محالاً للتجار من الهند ممن كانوا يبيعون المواد الغذائية والملابس واللؤلؤ الطبيعي الذي اشتهرت به المنطقة. وكان يضم أيضاً محالاً للخياطين المحليين من الأهالي الذين عملوا في خياطة الكنادير والبشوت وسواها، كما يتضمن السوق أصحاب المخابز وصناع الحلوى الشعبية، التي يزيد الاقبال عليها مع قرب الأعياد. وفي الجهة الأخرى من السوق تتوزع الدكاكين المخصصة لبيع أدوات صيد الأسماك كالخيوط والقراقير والألياخ، وهي منتجات محلية الصنع، كما تباع أيضاً أدوات تستخدم في الغوص كسكين فلق المحار والفطام والحبال وسواها. وكان يضم أيضاً دكان الطواش، وهو تاجر اللؤلؤ، وتتم فيه عمليات بيع وشراء اللؤلؤ، كما يضم ورش الحدادة لصنع وبيع المسامير والسكاكين والأدوات المختلفة، إلى جانب دكان «الصفار» المهتم بعملية تلميع السكاكين وأواني الطبخ النحاسية. 

سوق السمك 
يشير بن غافان أيضاً إلى وجود سوق السمك بالقرب من المكان، وهو عبارة عن 6 خيام واسعة تشهد عملية بيع الأسماك، وكان الباعة من أهل المنطقة يخرجون بعد صلاة الفجر بقواربهم الصغيرة للصيد أو سحب القراقير المحملة بالخير الوفير من الأعماق، ونقلها بسرعة إلى السوق لبيعها، والفائض منها يُصدر إلى الدول المجاورة بعد أن يتم تمليحها وتجفيفها. 

سوق شهير
ويؤكد بن غافان، أنه بالرغم من عدد محاله المعدودة وقلة عدد التجار فيه، إلا أن «سوق أم القيوين» كان يشهد حركة تجارية كبيرة، ويقصده المشترون من داخل أم القيوين وخارجها، ما جعله أحد الأسواق الشهيرة على مستوى الخليج العربي. وبعد سنوات من تطور المكان، وافتتاح أسواق جديدة، أُهملت هذه الأسواق التي بنيت من الطين وحجارة البحر والجص والجندل بعض الشيء، إلا أن بلدية أم القيوين تسعى دوماً إلى ترميمها حفاظاً على التراث المحلي المتمثل في نمط العمارة التقليدية التي أبدعها الأهالي قديماً.
وبرعوا في تشييدها من مواد البيئة المحلية، وقد أسهمت البلدية في ترميم سوق «فلج المعلا القديم»، الذي جدد ثوبه ليظهر اليوم في أبهى صورة تراثية. 

المقهى الشعبي
يتطرق بن غافان إلى أهمية الأسواق القديمة التي تعتبر ملتقى اجتماعياً وثقافياً بين أهالي المنطقة، قائلا: السوق كان ملتقى لأهالي الفرجان في أم القيوين، فعندما نفتقد شخصاً ما نجده في السوق. أما المقهى الشعبي فكان له الأثر الواضح في تجمع الرجال وتجاذب المواضيع المهمة المتداولة آنذاك. وكان محطة لتبادل الأخبار المحلية وأخبار المنطقة التي ينقلها التجار من الخارج.

«العرصة»
يذكر بن غافان أن في وسط السوق توجد «العرصة»، وهي المنطقة الواسعة في باحة السوق، وتُعد نقطة التقاء رحلات تجار البدو وإبلهم المحملة بالبضائع، وتتم فيه عملية المقايضة، أي تبادل البضائع فيما بينهم، وكانت بضائعهم تتنوع بين الفحم ومنتجات الألبان وأيضاً السمن، والحطب، كما تباع في الباحة منتجات المزارع المحلية من الخضراوات والفواكه والمنتجات المستوردة، وتعتبر «العرصة» ملتقى لجميع التجار على اختلاف جنسياتهم.