خولة علي (دبي) 

ما زالت الأسواق الشعبية القديمة تضج بالذكريات، ويصدح الحنين في أروقتها، على الرغم من تغير ملامحها وتمدن أجزاء منها، إلا أن الأرض ما زالت حاضنة لموقع وسوق «مصفوت»، الذي شهد تدفق الناس إليه وتجمعهم فيه، وتبادل الأخبار والحكايات والأحداث التي مرت على المنطقة وقتها. هذا المنفذ الذي يروجون من خلاله لبضائعهم ومنتجاتهم الزراعية من ثمار النخيل والحمضيات والحنطة والحبال والدعون، وسواها من البضائع، التي اشتهرت بها المناطق الجبلية ومنها قرية مصفوت. فالسوق الذي تتكون «دكاكينه» من خيام وعريش، ويجتمع فيه أهالي القرية للبيع والشراء، ومجالسة الأصحاب، يظهر مدى نشاط القرية تجارياً على الرغم من بساطتها وما اتسمت به من هدوء. 

تجارة موسمية 
بالعودة إلى تاريخ التجارة ونشأة الأسواق القديمة فيها، وما شهدته من أحداث ومواقف، يتحدث الدكتور سيف بن عبود البدواوي من أبناء قرية مصفوت، موضحاً أن الأسواق القديمة لها من الأهمية ما يجعلها نبعاً للحركة الاقتصادية والنشاط الثقافي والاجتماعي لتشعل وتيرة الحياة والنشاط فيها بين التجار والمشترين. وشكلت هذه الأسواق أهمية كبيرة في نشأة المدن وتطورها، وكانت تعكس طابع البلد النابض بأصالة المكان. 
ويؤكد البدواوي أن «مصفوت» تعتمد فيها التجارة بشكل كبير على المنتجات الزراعية الموسمية، ففي الصيف يتم تصدير الرطب والفواكه من الحمضيات والمانجو، وفي المواسم الأخرى يتم تصدير القمح والذرة والتمور، وغيرها من الحبوب والخضراوات والفواكه، وعادة ما تصدر هذه المنتجات إلى أسواق دبي والشارقة وإمارات الدولة، ومنها إلى دول أخرى. وعملية نقل البضائع كانت تتم عن طريق الدواب من الجمال والحمير، أو بالسير على الأقدام؛ نظراً لعدم توفر وسائل النقل بشكل كبير في أربعينيات القرن الماضي. وفي أحيان كثيرة يتم الخروج مع القوافل ليلاً، وعادة ما تمتد الرحلة إلى 7 أيام أو أكثر للوصول إلى أسواق دبي والشارقة. فقد كان الأمر صعباً للغاية على التجار من المزارعين لنقل البضائع والمنتجات التي اشتهرت بها قديماً «مصفوت» الجبلية. 

خيام وعُرُش 
وعن طبيعة هذه الأسواق، يشير البدواوي إلى أن سوق «مصفوت» في الماضي، كان عبارة عن دكاكين بسيطة تم بناؤها من العُرُش والخيام، وكانت تُباع فيها البضائع والمنتجات الغذائية الأساسية لأهالي القرية، ومن التجار الذين لهم دكاكين في مصفوت بفترة الخمسينيات، عبدالله بن جاسم، وهو من تجار أم القيوين، وكان وقتها الدكان عبارة عن خيمة وعريش لبيع الأرز والدقيق والسكر، وبعض المعلبات، ومن أشهرها فاكهة الأناناس المعلبة التي كانت تُقدم ضيافة إلى جانب التمر والقهوة. ومن التجار أيضاً عامر بن راشد الذي شيد دكانه في القرية، وكان عبارة عن خيمة متواضعة، ويذكر البدواوي أنه في طفولته كان يقصد هذا الدكان لشراء بعض أغراض المنزل، وقد استمر الدكان حتى قيام الاتحاد، عندها قام المغفور له الشيخ راشد بن حميد، طيّب الله ثراه، ببناء هذه الدكاكين بالطابوق. 

أشهر التجار
أكد الدكتور سيف البدواوي أن الدكاكين كانت تفتح أبوابها وفقاً لحاجة أهل القرية، ويذكر أن هناك تاجراً يدعى سلطان العجماني، كان قد فتح دكانه بجانب مدرسة ابتدائية، لبيع المشروبات الغازية، وقد بدا الأمر نوعاً ما غريباً وجديداً على أهل القرية حينها. وقال: «كنا نشتري منه المشروبات ونحن أطفال أثناء خروجنا من المدرسة»، وأضاف أن من أشهر التجار الذين ذاع صيتهم بيننا، وهو من «حتا»، خلفان بن سرور، رحمه الله، والذي اشتهر ببيع البضائع للأهالي بالدين، وكان صبوراً على الدائنين حتى يتمكنوا من سداد ما عليهم، وكان عندما يلتقي بهم في مكان ما، يُلقي عليهم التحية ويلمح لهم بطريقة مهذبة بموعد سداد الدين. 

ألفة ومحبة
ذكر الدكتور سيف بن عبود البدواوي، أن القرية كانت تتميز بالحياة البسيطة القائمة على تكافل وتعاون الأهالي من تجار وسواهم، وهذه الأخلاق الجميلة السائدة جعلت الحياة أكثر ألفة ومحبة ومساندة، حتى في أصعب المواقف والأحداث التي يمر بها السكان. وفي الوقت الحالي تنوعت الدكاكين وفقاً لاحتياجات أهل المنطقة ومتطلباتهم، فظهرت محال للإلكترونيات والبناء وخامات ومستلزمات الصناعات المختلفة، ومتطلبات الحياة العصرية.