نيويورك  (الاتحاد)

لسنوات طويلة، ظل كثيرون يتهمون الإعلام -عموماً- بأنه يعيش على نشر كل ما هو سلبي ومسيء وشرير في قصصه الإخبارية، لضمان الانتشار والذيوع. للأسف، أكدت دراسة جديدة صحة الاتهام، لكنها أدانت بطريقة غير مباشرة الجمهور. فقد تبين أن الكلمات «السلبية» في عناوين الأخبار، تلك التي تثير الحزن والألم والفزع، هي التي تخطف عين القراء، وليس الأخبار الإيجابية أو قصص النجاح. وجدت الدراسة الصادرة بالولايات المتحدة، أنه كلما كان في العنوان ما يوحي أكثر، بالدماء والعنف والغدر والخيانة، كلما زاد اهتمام الجمهور.. والعكس صحيح. فكلمات مثل الحب والضحك والنجاح والسعادة والبهجة، لن تجعل القارئ ينقر على القصة ليقرأها، وعلى الأرجح سيتجاهلها. طبعاً النتيجة مدهشة.. لكنها تؤكد صحة المثل الإنجليزي الشهير «If it bleeds، it leads». وربما يفسر ذلك أن أكثر القصص الإخبارية قراءة عبر العالم، هي تلك التي تتعلق بالجرائم والمآسي الحزينة التي يكابد فيها البشر آلاماً مروعة. 
تقول الدراسة، إن أرقام المشاهدات على المنصات تؤكد هذه الحقيقة. فالخبر الذي ينتشر كالفيروس عبر السوشيال ميديا، لن يكون أبدأ هبوط طائرة في المطار.. فقط تستحق هذه الطائرة تصدر الصفحة الأولى أو مقدمة نشرات الأخبار، عندما تهوي في قاع المحيط.. هذا قرار القراء قبل أن يكون اختيار وسائل الإعلام، تماماً مثل المسؤول الذي يؤدي عمله بصورة جيدة.. لن يهتم كثيرون بقراءة قصة إنجازاته ونجاحاته.. سيهتمون فقط عندما توجه إليه تهم تربح أو فساد.
حقيقة مؤلمة، لكن الدراسة التي تم نشرها في دورية «جورنال السلوك البشري الطبيعي» تؤكد بالأرقام أن القصص ذات العناوين السلبية هي التي يحب الجمهور قراءتها. الدراسة التي أعدها باحثون من جامعات نيويورك وجيسن ومعهد كارولينسكا بعنوان «السلبية تتحكم في سلوك القراء على الإنترنت»، شملت 105 آلاف قصة  من موقع «Upworthy». جلبت هذه القصص 5.7 مليون نقرة من إجمالي 370 مليون مرة ظهور إجمالية.   واكتشف الباحثون أن الكلمات السلبية تزيد معدلات القراءة بنسبة 2.3 في المئة. لذا - وكما يقول الكاتب جوشوا بنتون في موقع «نيمان لاب» - فإنه كلما أضفت للعناوين كلمات سلبية من نوع ضرر، وقبيح ومزعج وغاضب ومتهور، كلما حصلت على قراء أكثر.. لكن لو كان عنوانك فيه كلمات مثل لطيف وجميل وسعادة وفائدة.. لن يلتفت إليك أحد. 
يفسر البعض الميل الغريزي عند القراء لمتابعة القصص السلبية، بعوامل نفسية. فأن تقرأ عن كارثة حلت بغيرك ربما يمنح ذلك قدرا من العزاء، أنك بخير وأن حياتك أفضل من غيرك، لأنك نجوت مما حاق بالآخرين. وربما كانت الأخبار السلبية، تحرك لدى القراء مشاعر أقوى مما يمكن أن تفعله القصص الإيجابية.  لكن أياً كان الحال، تلفت الدراسة الجديدة النظر، إلى أهمية الدراسات الإعلامية التي يتعين على «الميديا» العربية زيادة الاهتمام بها، لقياس توجهات الجمهور.
إذ إنه ليس من المقبول أن يفرط الإعلام في الحديث عن أن رسالته بالأساس هي التواصل مع الجمهور، دون أن يهتم بأن يعرف أكثر عن تفضيلاته. وقد كان يتعين مع انتشار «الإنترنت» أن تسد المؤسسات الإعلامية العربية هذه الفجوة، من خلال استطلاعات الرأي مثلاً أو عن طريق تحليل بيانات ومعدلات القراءة والمتابعة والتفاعل عبر المنصات الرقمية، للوصول إلى نتائج محددة تساعد في تطوير الأداء الإعلامي. لكن هذا التجاهل من جانب «الميديا» العربية، غريب وغير مبرر، حتى أنها تبدو كما لو كانت تطارد السراب في الصحراء بحثاً عن مجهول دون بوصلة تقودها للطريق الآمن.

القصص «الفيروسية» تحكي تجارب يرتبط بها الناس
اكتسب موقع Upworthy شهرة غير مسبوقة في عام 2010، بأسلوب جديد من العناوين الملفتة جداً للنظر، حتى صار يمثل نموذجاً رائجاً تبنته العديد من وسائل الإعلام في العالم، خاصة مع صعود وسائل التواصل الاجتماعي. لكن اعتباراً من عام 2014، بدأت تنحسر عنه الشهرة الكاسحة التي كان قد حققها بفضل عناوينه الغريبة، التي كانت تبدو وكأنها تنادي القراء.. تعالوا اقرأوا. رد الموقع على نتائج الدراسة قائلاً إن الدنيا تغيرت تماماً، وأن ما كان يثير اهتمام القراء قبل أعوام، لم يعد بالتأكيد يلفت نظرهم اليوم. وتهكم الموقع بشأن اعتماد الدراسة على أرقام تتعلق بقصص إخبارية نشرت قبل عقد، قائلا إن الأمر يشبه المقارنة بين «هوائي» التلفزيونات الكلاسيكي وبين البث التدفقي لمنصات مثل «نتفلكس».
وتابع: لطالما شاركت Upworthy قصصاً إيجابية وراقية، بالتأكيد، ولكن من المفاهيم الخاطئة المستمرة أن Upworthy تغطي فقط «الأخبار الإيجابية».
وأضاف الموقع: كانت الفكرة الأصلية وراء Upworthy هي «تغيير ما يهتم به العالم» من خلال مشاركة قصص ذات مغزى تسلط الضوء على إنسانيتنا المشتركة. في كثير من الأحيان، نعم، هذا يعني سرد قصص الشعور بالسعادة. ولكنه يعني أيضاً تسليط الضوء على التحديات التي تواجه البشرية واستكشاف حلول لها، والتي ليست دائماً إيجابية أو مشجعة. في بعض الأحيان يعني ذلك مشاركة قصة مشاهير تنتشر بطريقة فيروسية؛ لأنها تتطرق إلى قضية مهمة أو تجربة يمكن أن يرتبط بها الكثير من الناس.