خولة علي (دبي)

لا تزال الأسواق الشعبية تحظى باهتمام مرتاديها، بالرغم من وجود المراكز والأسواق الحديثة، إذ إن للقديم رونقه، وأصالته في بساطة تصميمه وسهولة التجول بين طرقاته والتبضع فيه. ومن الأسواق القديمة التي ظلت صامدة في أجزاء منها، وشيدت دكاكين ملازمة وداعمة لها تقابلها كأنها تشد من أزرها وتشجعها على الثبات والصمود، «سوق رأس الخيمة القديم»، الذي يقع على الضفة اليسرى للخور، ويتألف من مجموعة محال تجارية مبنية من الحجر والطين ومسقوفة بخشب الجندل. وهذه القطعة التراثية شاهدة على الحركة التجارية والاقتصادية والأحداث السياسية في المنطقة. 

نشأة السوق 
يطلعنا سلطان عبيد الزعابي، من أهالي رأس الخيمة، على تاريخ السوق القديم الذي يُعتبر واحداً من أقدم الأسواق في منطقة الخليج، وبُني في عهد الشيخ ارحمه بن مطر، وطوره الشيخ راشد بن مطر الذي حكم بين عامي 1777 و1803. واشتهرت رأس الخيمة بقوتها البحرية، وامتلاكها لأسطول تجاري يجوب المحيطات متنقلاً بين أسواق مدن عدة، منها البصرة والهند وشرقي أفريقيا وعدن، حيث كان التجار يجلبون البضائع المتنوعة، ويصدرون منتجاتهم إلى أماكن عدة، فكانت الأسواق هي حلقة الوصل وتبادل الخبرات والتعرف على ثقافات الشعوب قديماً. 

ملامح السوق 
ويؤكد الزعابي على بساطة هذا السوق، الذي كان مزدهراً ومليئاً بالنشاط والحركة بين الباعة والزبائن، وبالرغم من طرقه الضيقة، لم يخلُ من المارة، وعندما زار «لوريمر» رأس الخيمة، وهو مؤلف كتاب دليل الخليج عام 1904، وصف السوق بأنه يضم 300 باب وعدة أسواق، منها سوق سلطان بن سالم، سوق الشيخ محمد بن سالم وأسواق أخرى عدة. وللسوق بوابتان جنوبية وشمالية تُغلقان في المساء، ولكن بعد التوسع أزيلت هذه الأسواق وتحول السوق إلى دكاكين عدة.

محلية ومستوردة
ويشير الزعابي إلى المنتجات المحلية التي كانت تباع قديماً، ومنها التمور والدبس والقمح، وهي محاصيل كانت تُزرع في الجبال، إضافة إلى الأسماك المجففة والمالح والخضراوات والفاكهة التي تنتجها البيئة المحلية. أما السفن التجارية، فكانت تجلب الأرز وزيت جوز الهند والقهوة وبعض البهارات، كالقرنفل والسكر من شرقي أفريقيا، إلى جانب مواد البناء كالأخشاب والحبال. 

رحيق الذكريات
قديماً كان السكان يزورون السوق من مناطق عدة بالإمارات، ولاسيما من المدن الساحلية، والقرى والجبال والبر، لتتم عملية البيع والمقايضة في السوق وتبادل البضائع والمنتجات التي تصنع في تلك المناطق، فكان السوق مزدهراً بالحركة التجارية، ولا يزال السوق يواصل نشاطه بعد ظهور دكاكين حديثة تواكب مسيرته، ومع ذلك لا يزال ينبض بأصالة وعبق الماضي، ويجتمع فيه الأهالي على رحيق ذكرياتهم. 

«عمارة» و«بخار»
شُيد السوق من مواد البيئة المحلية المتوافرة آنذاك، كالجص والشندل والمنغور، وهي مواد كانت تُجلب من البصرة في السابق، إضافة إلى جلب الحجارة المرجانية من قُم. أما الدكاكين فما زالت أجزاء منها صامدة بالرغم من مرور 300 عام على تشييدها، وأعيد ترميم السوق منذ نحو 100 عام، في عهد الشيخ سلطان بن سالم، وكانت لهذه الدكاكين مسميات تُطلق عليها فإذا كان الدكانان مفتوحين على بعض يسميان «عمارة»، وإذا كان الدكان للتخزين فقط يسمى «بخار».