د. شريف عرفة
ما رأيك أن تتجول في شارع الشانزليزيه بباريس، وتشاهد بحيرات فوجي في اليابان، وتزور السوق العائم في تايلاند، وتتأمل الغروب من قمة كليمينجارو في تنزانيا، تزور القلاع التاريخية في إسبانيا، دون أن تغادر منزلك؟!
انتشرت فكرة «السياحة الافتراضية» كبديل للسفر المادي أثناء جائحة «كورونا»، وظهرت تطبيقات عديدة توفر هذه التجربة الجديدة التي لاقت انتعاشاً مفهوماً أثناء العزل المنزلي وفرض القيود على وجهات السفر. ما دعا الباحثين لدراسة هذا المجال الجديد واستشراف ما يمكن أن يؤول إليه في المستقبل..
مكاسب نفسية
قام العلماء بعدد من التجارب لاستطلاع التأثير النفسي للسياحة الافتراضية. استخدموا نظارة الواقع الافتراضي «جوجل كاردبورد»، ودعوا المتطوعين لاستخدامها وجهات سياحية، مثل حديقة ديزني الترفيهية في أورلاندو، فلوريدا.
وجد الباحثون أن الانغماس في هذه «الإجازة الافتراضية» القصيرة، حقق بالفعل عدداً من المكاسب..
1- الانفصال النفسي:
السياحة مفيدة نفسياً، لأنها تساعدنا على الانفصال مؤقتاً عن ضغوط العمل وروتين الحياة، ما يساعدنا في تجديد الطاقة والتعافي من الإجهاد. لدرجة ما، وجد الباحثون أن السياحة الافتراضية تحقق هذا الهدف.
2- السعادة:
السفر الافتراضي لوجهة يحبها المرء ويتطلع إليها، يزيد من شعوره بالسعادة «حُسن الحال الذاتي».. حسبما كشف استطلاع رأي المتطوعين في هذه التجارب، لدرجة أنهم أبدوا استعداداً لدفع المال لتكرارها لاحقاً. الأمر الذي قد يعني فرصا اقتصادية واعدة لقطاع السياحة الافتراضية!
3- التوفير:
هذا النوع من السياحة مفيد للمستهلك من الناحية الاقتصادية، إذ يوفر الوقت والجهد والمال اللازمين للسفر التقليدي. وعلى الرغم من كونه لا يضاهي تجربة السفر الحقيقي، لكنه يقدم تجربة بصرية أكثر انغماساً Immersion من مشاهدة الفيديوهات أو الصور.
نشرت هذه النتائج مؤخراً في الدورية العلمية «توريزم مانجمنت بيرسبيكتيف» في بحث يحمل عنوان «دراسة تأثير سياحة الواقع الافتراضي على الرفاه الذاتي للمستهلكين..» للباحث جرايم ماكلين فريمبونج من المملكة المتحدة، وزملاؤه الباحثين من جامعات بالسعودية وأميركا وغانا.
تطبيقات عملية
يوصي الباحثون في هذه الدراسة بالاستثمار في مجال السياحة الافتراضية، لأنها قد تكون مجالاً واعداً في المستقبل. كما أنها مفيدة للصحة النفسية للمجتمع بشكل عام، لأنه وسيلة اقتصادية للتعافي من التوترات والضغوط الحياتية التي تتزايد يوماً بعد يوم، مع عدم إتاحة فرص السفر لملايين البشر.
كما أننا لو نظرنا للموضوع من زاوية أخرى، سنجده مفيداً للبيئة أيضاً، إذ يقل الانبعاثات الحرارية التي تطلقها الطائرات والسيارات والبواخر اللازمة للسفر والتنقل السياحي!
أوجه القصور
قد تبدو الفكرة جذابة لمن لا يستطيعون السفر لأسباب اقتصادية أو صحية أو حتى لضيق الوقت.. لكن لو قيمنا الموضوع بحيادية، فإن النتائج ليست كافية. فالدراسة لم تقارن - مثلاً - تأثير السياحة الافتراضية بالحقيقية، كما لم تقارن تجربة السياحة الحقيقية بوسائل الترفيه الأخرى كمشاهدة فيلم أو الانغماس في لعبة فيديو.. ألا يمكن أن يكون لها - ببساطة - التأثير نفسه؟ يعترف الباحثون بأوجه القصور هذه موسين بمزيد من الدراسات.
يبدو الأمر واعداً، لكننا لسنا هناك بعد.. نظارات الواقع الافتراضي لم تتطور بالقدر الكافي لتجنب إجهاد العينين.. كما أن السياحة الواقعية تفوق مجرد الانتقال لمكان آخر، لتشمل التفاعل الحسي والعاطفي، مع البيئة المحيطة.. أتحدث عن رعشة البرد ورذاذ الماء أمام شلالات نياجرا، ورائحة التوابل في دلهي، ومذاق «اللاكسا» في كوالالامبور، وطعم «الباد تاي» في تايلاند، ودفء شمس الشتاء في الإمارات..
إلا أن الأهم من ذلك، ذكرياتك مع من يرافقك في هذه الرحلة.. كل هذا يضيف لتجربة السفر الكثير..
أليس كذلك؟