واشنطن (الاتحاد)

ثمة تقاليد ترسخت في دوائر الإعلام والسياسية بالولايات المتحدة خلال السنوات الأخيرة، يصعب كثيراً كسرها، على الرغم من غرابتها. أحد هذه التقاليد هو أن يجري الرؤساء الأميركيون مقابلة مع الشبكة التي تبث مباراة الـ«سوبر بول».. وهي المباراة النهائية لدوري كرة القدم الأميركي.
وقد أجرى بايدن خلال أعوام سابقة مثل هذا الحوار عندما بثت محطتا «إن بي سي» و«سي بي إس» المباراة. لكن الأمر اختلف يوم الأحد الماضي. فالشبكة التي بثت المباراة هذه المرة هي محطة «فوكس» التي لا تجمعها بالبيت الأبيض علاقة ودية جيدة، حسبما قالت صحيفة نيويورك تايمز.
وقبل ساعات من بث المقابلة المفترضة، حدثت حالة من الارتباك الشديد يوم الجمعة قبل الماضي. فقد تفجرت موجة البيانات والتصريحات المتبادلة بين البيت الأبيض و«فوكس»، بشأن إجراء أو عدم إجراء المقابلة.
كان الحل الوسط الذي توصل إليه مستشارو بايدن - لعدم إجراء المقابلة مع «فوكس» - هو  مقابلة مع «فوكس سول»، وهي قناة بث غامضة نسبياً تستهدف الجماهير السوداء. ثم قالت كارين جان بيير، السكرتيرة الصحفية للبيت الأبيض، إن شركة فوكس التي تشرف على كل من «فوكس نيوز» و«فوكس سول»، تدخلت وألغت ذلك.
لقد أراد بايدن ومستشاروه «إجراء المقابلة مع فوكس سول بسبب رغبتهم في الوصول إلى جمهور مختلف»، بحسب «نيويورك تايمز» التي قالت إن المحطة البديلة تعتبر نفسها «قناة بث مباشر وتفاعلية مخصصة للمشاهد الأميركي من أصل أفريقي».
في كل الأحوال.. لم يكن هناك أي مقابلة.. لا مع «فوكس» ولا «فوكس سول»، ربما لأن بايدن فضل «التملص من مقابلة مع شبكة تهاجمه باستمرار»، كما ألمح الكاتب الصحفي توم جونز في تقرير بموقع «بوينتر». وتساءل: «هل أنقذ بايدن فوكس أم أن الشبكة هي التي منعت عنه الكهرباء؟».
الارتباك وإلغاء المقابلة يعكسان حجم التوتر المتصاعد بين الإدارة الديمقراطية وخصومها الجمهوريين الذي ألقى بظلاله على كل شيء، حتى فيما يخص مقابلة تلفزيونية اعتبرها كل رئيس سابق فرصة ذهبية لا تعوض، باستثناء  الرئيس السابق دونالد ترامب الذي امتنع في 2018 عن إجراء مقابلتين مع «NBC» و«Lester Holt» قبل مباراة السوبر بول.

أوباما.. أعنف مقابلة تلفزيونية قبل «السوبر بول»
على عكس ما سبق، جاءت مقابلة «فوكس» مع الرئيس باراك أوباما في عام 2014 ساخنة جداً، لم يعبأ المذيع الشهير بيل أورايلي بأن الحوار مع أوباما يبث قبل مباراة «السوبر بول»، ومن ثم فلا بد أن تكون المقابلة ناعمة ولذيذة، كما جرت العادة مع سلفه بوش مثلاً. وبعد بضعة أسئلة عن الرياضة، حاصر المذيع الرئيس بوابل من الأسئلة المحرجة بشأن الهجوم على القنصلية الأميركية في مدينة بنغازي الليبية الذي راح ضحيته 3 أميركيين، بينهم السفير الأميركي كريستوفر ستفيز. من فرط حدة الأسئلة، بدا أوباما غاضباً ومستاء وكأن المذيع أخذه على حين غرة. وقد اتهم أوباما، قناة «فوكس نيوز» بتعمد إثارة الجدل حول بعض القضايا، بحسب تقارير صحفية.
وكان الجمهوريون يتهمون أوباما وإدارته بالفشل في التعامل مع هجوم بنغازي. ورد أوباما مهاجماً المذيع بقوله: «هذه الأشياء تعود وتطفو على السطح ويعود جانباً من ذلك إلى أنك ومحطتك التلفزيونية تقومون بالترويج لها».
وتابع للملايين الذين كانوا ينتظرون مباراة القمة في الدوري الأميركي للمحترفين، كيف خيم التوتر على المقابلة التي تطرقت أيضاً إلى قضايا حساسة مثل برنامج «أوباما كير» للرعاية الصحية وفضيحة هيئة الضرائب الأميركية.  وقد وصف  أوباما، قناة «فوكس نيوز» خلال المقابلة، بأنها «غير منصفة» جراء انتقاداتها المنتظمة له، بعدما أمطره أورايلي بأسئلة حول فشل بدء تطبيق برنامج الرعاية الصحية الجديد، ولماذا لم يعزل وزيرة الصحة جراء ذلك، وعن «فساد» بهيئة العائدات الداخلية «الضرائب». 
الطريف أن أورايلي سأل الرئيس ببراءة عما إذا ما كان غير عادل معه خلال المقابلة، رد أوباما: «بالطبع كنت كذلك، لكني معجب بك على أية حال».
وتابع: «لائحة القضايا هذه التي تسأل عنها، أنتم تحددونها في إطار معين، لكن لا بأس، إذا أردت أن تكون رئيساً للولايات المتحدة، إذاً عليك أن تعلم بأن ستكون موضعاً للانتقادات»، وأبدى اعتقاده بان التوجه المحافظ «جعل من فوكس نيوز ناجحة للغاية». وأضاف: «وهذا ما عليكم النظر في شأنه، عندما تنتهي ولايتي فماذا ستفعلون؟»

هل يصح توجيه أسئلة جادة للرئيس قبل مباراة مهمة؟
تعد المقابلة التي تبث قبل مباراة السوبر بول فعلاً فرصة كبرى لكل رئيس أميركي خلال السنوات الأخيرة. فالمحطة المختارة، تفتح البث الخاص قبل انطلاق المباراة بساعات عدة قد تتجاوز 5 ساعات. وهذه هي فترة الذروة التي يحتشد فيها ملايين الأميركيين لمشاهدة المباراة الأكثر شعبية. بما يعني أن الرئيس إذا أراد أن يوجه رسائل مهمة للناخبين الأميركيين، فسيجد من الملايين آذاناً صاغية، بأعداد ربما تفوق أولئك الذين تابعوا مثلاً خطاب حالة الاتحاد. وتتفاوت التقديرات ما بين 20 مليوناً ومائة مليون مشاهد.
ومن جانبها، تكسب محطة التلفزيون عائدات هائلة من الإعلانات ومزيداً من المتابعين.
لذلك يرحب الرئيس الأميركي عادة بمثل هذه الفرصة للتحدث إلى الأميركيين، خاصة في أوقات الاستقطاب السياسي الحاد. ومع ذلك، يقول البعض: «إن توقيت المقابلة، ربما لا يحقق المرجو منها سياسياً. فأغلبية المشاهدين التي تأخذ مواقعها قبل ساعات أمام شاشات التلفزيون، ينصب تركيزها كله على المباراة وأطرافها ومن سيفوز، وليس ثمة استعداد عند المشاهدين المتحمسين، للاستماع إلى قضايا جادة يطرحها الرئيس بخصوص الهجرة مثلاً أو الرعاية الصحية أو الأزمة الأوكرانية».
وقد بدأت أول مقابلة - سوبر رئاسية عام 2004 عندما أجرى «جيم نانتز» المذيع الرياضي في شبكة «سي بي إس» مقابلة مع الرئيس - آنذاك جورج دبليو بوش. لم تكن تلك المقابلة التي استغرقت أربع دقائق فقط، مقابلة قاسية، ولم يكن من المفترض أن تكون كذلك. تحدث نانتز وبوش عن استضافة هيوستن لمباراة القمة، وكيف أصبح «سوبر بول» عملياً بمثابة عطلة وطنية، وخطط بوش لمشاهدة اللعبة والفريق الذي ينتمي إليه ويشجعه. تركز السؤال الوحيد الصعب الذي طرح على بوش حول عقاقير تحسين الأداء في الرياضة، لكن في عهد أوباما اختلف الأمر بعض الشيء.

10 دقائق فقط
المقابلة التي تسبق مباراة القمة تستغرق عادة حوالي 10 دقائق، ويشاهدها جمهور هائل يقدره البعض بنحو 20 مليون مشاهد، ما يجعلها في كثير من الأحيان الحدث التلفزيوني الأكثر مشاهدة. لذلك، صارت المقابلة مهمة للغاية للجميع، للرئيس ولمحطات التلفزيون والجمهور. وهو ما يفسر سبب الجدل الواسع الذي دار الأسبوع الماضي عقب حالة الارتباك بين البيت الأبيض و«فوكس».