على الرغم من توفر لقاحات عديدة وأدوية لعلاج فيروس كورونا المستجد، لا يزال هناك لغز منذ ظهور الجائحة، وهو معرفة سبب، مرض كوفيد طويل الأمد الناجم عن العدوى بالفيروس.

وكوفيد طويل الأمد هي حالة يعاني فيها المصابون بالفيروس من أعراض تستمر لأشهر أو حتى سنوات بعد أن يتخلصوا من العدوى الأولية.

يقول برنت بالمر، الأستاذ مشارك في قسم الحساسية والمناعة السريرية في كلية الطب بجامعة كولورادو الأميركية "يقدّر أن كوفيد طويل الأمد يؤثر على واحد من كل خمسة أشخاص يصابون بكوفيد-19. يوصف مرض كوفيد طويل الأمد بأنه أعراض مستمرة تدوم لأكثر من أربعة أسابيع بعد الإصابة الأولية. ويمكن أن تشمل هذه الأعراض ألم الصدر والسعال وضيق التنفس وضباب الدماغ والتعب".

- بقايا الفيروس
لدى بالمر نظرية تفسر سبب كوفيد طويل الأمد: الخزانات الفيروسية التي تظل باقية في الجسم، مما يسبب زيادة نشاط الجهاز المناعي ضمن جهوده للقضاء عليها. بدأ بالمر، الباحث في فيروس نقص المناعة البشرية (الإيدز) الذي أصبح مهتماً في وقت مبكر بالأسباب المحتملة لفيروس كوفيد طويل الأمد، دراسة في عام 2020 تبحث في مجموعة من 40 مريضاً أصيبوا بكوفيد-19. نجح عشرون في القضاء على الفيروس تماماً، وطور 20 شخصاً كوفيد طويل الأمد. من خلال العمل مع أخصائية أمراض الرئة في جامعة كاليفورنيا، الدكتورة في الطب سارة جولي، التي تدير عيادة ما بعد كوفيد، لمرضى كوفيد طويل الأمد، جمع بالمر عينات الدم من كلا المجموعتين من المرضى، بحثاً عن الخلايا التائية الخاصة بكوفيد-19 والتي ظلت نشطة في الجسم بعد أن اختفت عدوى كوفيد الأولية.

يقول بالمر "أخذنا خلايا الدم هذه وحضناها بأجزاء وقطع صغيرة من الفيروس. ثم نظرنا إلى تواتر نوعين من الخلايا التائية، CD4 وCD8، التي تستجيب عن طريق إنتاج السيتوكينات. الخلايا التي استجابت للأجزاء الفيروسية، كانت خاصة بسارس-كوف-2".

يضيف "وجدنا تواتراً عالياً واضحاً لخلايا CD8 T السامة في الأفراد المصابين بكورونا طويل الأمد. وكانت هذه الاستجابات أعلى بما يصل إلى 100 مرة في مجموعة المصابين بكوفيد طويل الأمد مقارنة بالأفراد الذين لم تظهر عليهم أعراض طويلة الأمد ومستمرة".

بالمر، الذي يدرس أيضاً عدوى فيروس نقص المناعة البشرية (الإيدز)، اندهش عندما رأى أن قلة من الناس بعد ستة أشهر من الإصابة الأولية لديهم ما يقرب من 50 % من خلاياهم التائية الموجهة ضد كوفيد.

يقول "هذا معدل مرتفع بشكل مذهل، أعلى بكثير مما نراه عادةً في فيروس نقص المناعة البشرية، حيث يكون لديك تكاثر فيروسي مستمر طوال الوقت".

- علاقة المرض بالرئة
تقارن دراسة بالمر، التي نُشرت في مجلة PLOS Pathogens، ترددات الخلايا التائية الخاصة بكوفيد-19 والعلامات الالتهابية مع وظائف الرئة في المرضى الذين لديهم إما أعراض كورونا طويل الأمد الخاصة بالرئة أو الذين شفوا من كوفيد.

ويؤكد "كلما زاد تواتر الخلايا التائية الخاصة بكوفيد-19 في دم الشخص، كانت اختبارات وظائف الرئة أسوأ. أظهر ذلك ارتباطاً قوياً حقاً بين هذه الخلايا التائية، التي من المحتمل أن تسبب المرض، والقراءة الفعلية للمرض، والتي كانت تقلل من وظيفة الرئة. كان هذا اكتشافاً مهماً".

- زيادة الاستجابة المناعية
قادت نتائج فريق البروفيسور بالمر البحثي إلى وضع نظرية مفادها أن أعراض كوفيد طويل الأمد مدفوعة بالجهاز المناعي، الذي يزيد الالتهاب استجابةً لفيروس كورونا الذي يظل مخفيًا في الجسم بعد الإصابة الأولية.

ويوضح "نعتقد أن الاستجابة المناعية المبالغ فيها هي التي تسبب المشكلة. ما نفترضه هو أن هناك فيروساً متبقياً في مكان ما في الجسم، ولكن لم يتم اكتشافه بواسطة مسحة الأنف. وقد تبين أن الأفراد، الذين ماتوا بسبب فيروس كورونا الحاد الشديد، لديهم فيروس في جميع أنحاء أجسامهم. عندما يجري تشريح لجثث هؤلاء الأفراد، يمكن العثور على الفيروس في الدماغ والكلى والرئة والأمعاء".

- كيف تساعد مضادات الفيروسات؟
يقول بالمر إن دواءً مضاداً للفيروسات مثل عقار "باكسلوفيد" يمكن أن يكون علاجاً فعالاً لمرض كوفيد طويل الأمد.

ويضيف "كانت هناك دراسات على أفراد مصابين بفيروس كوفيد طويل الأمد أظهرت أن التطعيم يسبب انخفاضاً طفيفاً في الأعراض. إذا قمت بتطعيمهم، فإنك تزيد من استجابتهم المناعية بشكل أكبر، وربما تحصل على استجابة أفضل للأجسام المضادة، وتستأصل هذه المكامن الفيروسية، وهذا يؤدي إلى تقليل الأعراض. ​​أظهرت دراسات أخرى أن إعطاء المرضى دواء باكسلوفيد يمكن أن يوقف تكاثر الفيروس. وبمجرد قمع تكاثر الفيروس، ستنخفض الاستجابة المناعية الخاصة به".