سلطان الحجار (أبوظبي)

صمت الحملان (The Silence of the Lambs)، رواية للكاتب توماس هاريس، صدرت عام 1988 في الولايات المتحدة الأميركية، تم تحويلها إلى فيلم يحمل الاسم نفسه عام 1991، حاز جائزة الأوسكار، وصُنف من أفضل 100 فيلم في تاريخ السينما العالمية. تتحدث الرواية عن مطاردة عميلة «الإف بي آي» كلاريس، لقاتل متسلسل يسمي نفسه بافالو بيل، بمساعدة هانبيال ليكتر، الطبيب النفسي السابق وآكل لحوم البشر.
تبدأ أحداث الرواية باستدعاء (كلاريس ستارلينج) عميلة «إف بي آي» تحت التدريب، بوساطة رئيسها (جاك كراوفورد)، الذي أوكل إليها مهمة مقابلة آكل لحوم البشر (د. هانبيال ليكتر)، آملين أن يساعدهم د. ليكتر بصفته طبيباً نفسياً في معرفة هوية قاتل آخر ملقب بـ(بافالو بيل). وبعد أن التقت برئيس مستشفى ولاية بالتيمور للطب الشرعي (د. شيلتون)، حيث هناك يتم حجز د. ليكتر، تمكنت كلاريس من مقابلته فأخبرته عن (بافالو بيل)، وأذهلته بتحليلاتها، لكن د. ليكتر شعر بالإهانة من استجواب الـ«إف بي آي»، ولم يعطها إلا دليلاً مبهماً، ومن هنا بدأت الإثارة.
قادها الدليل إلى مخزن حيث وجدت رأساً مقطوعاً لأحد مرضى د. ليكتر، الذي أخبرها أنه لم يقتله، ولكن (بافالو بيل) هو من قتله، مما دل على معرفة ليكتر بهوية بيل، لكنه لن يفصح عنها حتى تجد كلاريس وسيلة لنقله بعيداً عن د. شيلتون.
وفي هذه الأثناء، تم خطف (كاثرين) ابنة السيناتور مارتن، غير أنه وُجِدت جثة جديدة في النهر فازداد الدافع للعثور على بافالو بيل لإنقاذ كاثرين من بين يديه، ووجدوا في تشريح الجثة علامات إزالة اللحم من ظهر الضحية حيث قام بسلخها، بالإضافة إلى شرنقة حشرة وجدوها محشورة في حنجرتها.
وكان (بافالو بيل) يقتل ضحاياه في خلال ثلاثة أيام، حيث يترك الضحية دون طعام ليسهل سلخها، ومن جانبها أرادت كلاريس أن تستدرج د. ليكتر وتخرج منه بمعلومات قد يعلمها، فعرضت عليه عرضاً وهمياً لنقله إلى مصح آخر أفضل مما هو فيه مقابل الإفصاح بالمزيد من المعلومات، ولكن د. شيلتون أخبر ليكتر أن العرض وهمي وعرَض عليه عرضاً حقيقياً لعله يقوم بالإفصاح بالمعلومات مقابل أن يترك علاجه، حيث قام بنقل ليكتر مكمماً بقناع وجه ليلتقي بوالد كاثرين مارتين، وكان بيل في هذه الأثناء محتفظاً بكاثرين داخل حفرة في منزله.

تضليل
أعطاهم ليكتر اسماً مزيفاً يدعى لويس فريند، ولكن كلاريس أرادت معرفة المزيد من المعلومات، لكنه كان يلعب معها لعبة الأسئلة المتبادلة، فأخبرته عن يُتمها وإرسالها للعيش في مزرعة حيث كان صوت صراخ الحملان، أثناء ذبحهم يؤرقها ويعذبها أثناء الليل، فحاولت إنقاذ أحد الحملان لكنها فشلت، واقترح ليكتر أنها إذا أنقذت كاثرين بخلاف الحمل الذي فشلت في إنقاذه، فإنها ستتمكن أخيراً من النوم ليلاً بعد أن كانت تستيقظ مرعوبة بعد مطاردة الكوابيس لها.
وبعد رحيل كلاريس استخدم ليكتر قلماً كان سرقه من د. شيلتون، في فك قيوده ثم قتل حارسين وهرب، في ذات الوقت قامت كلاريس بإعادة التحقيق في قضية أول ضحية من ضحايا بيل لتجد صوراً مخفية، مما قادها للشخص الذي كانت الضحية تعمل عنده.
وعندما ذهبت لمنزل الشخص وجدت بافالو بيل الذي سمح لها بالدخول وسألها عن مدى قربهم من اكتشاف القاتل، وأثناء تجولها في المنزل وجدت حشرة العث وجمجمة، فعرفت أن هذا الرجل هو بافالو بيل، فطاردته داخل قبو المنزل المظلم، وتمكنت من قتله وإنقاذ كاثرين التي كانت على وشك الموت.
وتخرجت كلاريس في أكاديمية الـ«إف بي آي»، وصافحها جاك كراوفورد، قائلًا: أن أباها كان ليفخر بها في يوم كهذا، ثم تلقت مكالمة خاصة من د. ليكتر، والذي رفض أن يخبرها بمكانه لكنه وعدها بأن لا يطاردها، وفي تلك اللحظة تتلقى مكالمة هاتفية، فتكتشف أنها من ليكتر، ليظهر هذا الأخير في لقطة توحي بأنه في إحدى دول أفريقيا.

خيوط الجريمة
جاك كروافورد عميل الـ«إف بي آي» يطلب من ويل جراهام خبير تعريف الشخصيات والقادر على تتبع خيوط جرائمهم واستباقها، والذي ترك هذا العمل بعد أن كاد يذهب ضحية الدكتور هانيبال ليكتر، الذي كان هو الآخر مستشاراً لـ«إف بي آي» في تتبع بعض القتلة المضطربين نفسياً، كونه طبيباً نفسياً ورجلاً مرموقاً في مجتمعه العلمي.
في «صمت الحملان» الجزء اللاحق للرواية والصادر عام 1988، نجد أن ليكتر يقبع في مصحة خاصة بالمجرمين في بالتيمور، وليس هناك من أثر لجراهام المدمر جسدياً ونفسياً إلا في الأحاديث المقتضبة بين شخصيات الرواية، بينما تبرز شخصية كلاريس ستارلينغ العميلة المتمرنة التي تنضم لصفوف الـ«إف بي آي»، لتبدأ خبرتها الميدانية من خلال قضية «بافلو بيل» قاتل متسلسل آخر آكل للحوم البشر، كان أحد مرضى ليكتر سابقاً.. هنا يحدث اللقاء الأبرز بين شخصيات هذه الرواية التي حققت مبيعات هائلة لهاريس، والذي قال في أحد تصريحاته إنه يستطيع أن يبقى عاطلاً عن العمل طوال حياته جراء المبيعات المستمرة للرواية وشهرتها.

على الشاشة
ازدادت شهرة الرواية بعد تحويلها إلى فيلم سينمائي عام 1991 من إخراج جوناثان ديمي، وسيناريو تيد تالى، وبطولة أنطوني هوبكنز في دور (د. هانيبال ليكتر)، وجودي فوستر في دور (كلاريس ستارلنغ)، فيما قام سكوت غلين بدور (جاك كروفورد)، وجسد انتوني هيلد شخصية (فريدريك تشيلتون)، وبروك سميث في دور (كاثرين مارتن)، في حين قام تيد ليفين بدور القاتل المتسلسل (بافالو بيل)، وقد حاز الفيلم على خمس جوائز أوسكار رئيسة لأفضل ممثل وممثلة ومخرج وفيلم وسيناريو مقتبس، كمنجز نادر في تاريخ السينما لا يشاركه فيه سوى فيلمين هما «حَدَث ذات ليلة» لفرانك كابرا عام 1934، و«وآخر طار فوق عش الوقواق» لميلوش فورمان عام 1975.
يمكن القول، إن «أنطوني هوبكنز» حمل معظم فيلم ديمي على كتفي قدراته التمثيلية الهائلة، مما جعل تلك الشخصية المتخيلة روائياً والمجمدة للدماء في العروق أحد أبرز أدواره والأشهر بين جمهوره الواسع، كما أن جودي فوستر أدت في المقابل دوراً لا يستهان به، لكن هذا لا يعني تجاوز الإخراج المتميز لجوناثان ديمي، الذي استطاع خلق أجواء متوترة تبدو واضحة منذ اللحظات الافتتاحية للفيلم في الغابة، وحتى المكالمة الأخيرة للعميلة ستارلينغ من د. ليكتر.
فيلم صمت الحملان الذي صدر عام 1991م يعتبر من أفضل الأفلام في تاريخ السينما، نظراً لمحتواه الغني والذي كان في تلك الفترة حديثاً للنقاد وصُناع الفن السابع، حيث إنه ساعد على تكوين فئة أفلام الطب النفسي والجريمة والقتل المتسلسل، وقد حصل الفيلم أيضاً عام 1999 على الترتيب 65 لأفضل أفلام السينما الأميركية على الإطلاق عبر 100 عام، ضمن فعاليات يقوم بها معهد الفيلم الأميركي.

خفايا الطب النفسي
تناول الفيلم ظاهرة القتلة المتسلسلين على نحو يساعدنا على تشخيص حالتهم النفسية والعقلية، وكما يقال دائماً إذا أردت أن تقبض على شخص ما، فيجب عليك أن تفكر مثله، وانطلاقاً من هذه النقطة ننطلق في رحلة في عالم الطب النفسي لنسبر أغوار النفس البشرية وكيف يمكنها أن تتشوه في ظل المؤثرات الخارجية لنلمس على وجه السرعة جزءاً من حساسية العقل البشري وعمقه وأبعاده التي يصعب الإلمام بها جميعها.
الفيلم رائع من ناحية الأداء التمثيلي، فجودي فوستر أجادت دورها بشكل بديع، وكذلك كل أفراد طاقم التمثيل خصوصاً تيد ليفين وسكوت غلين، أما الرائع انتوني هوبكنز فقد تقمص شخصية آكل لحوم البشر الدكتور هانيبال ليكتربكل ما فيها من اضطراب وعقلانية بطريقة أقل ما توصف بها هي البراعة.
وتتجلى قدرات هانيبال ليكتر كطبيب نفسي وقدرته على التلاعب بالناس في انتحار (ميغز) زميله في الزنزانة المجاورة، بعد أن همس له هانيبال ببعض الكلمات في أذنه، وبالرغم من بشاعة أفعال ليكتر وجرائمه فقد كان يتمتع بأناقة لا مثيل لها وحس مرهف وتقدير للفن والجمال، ويظهر ذلك في ممارسته لهواية الرسم وانزعاجه من مضايقة ميغز لكلاريس في مقابلته الأولى لها، كما أنه يمكن تصنيف معظم ضحايا (ليكتر) على أنهم أشرار، حيث إنه كان ينتقيهم بحرص شديد.
ولم يتميز الفيلم فقط بالأداء التمثيلي الرائع والانسجام على الشاشة، بل إن قصة الفيلم وحبكته هي من أهم عناصر نجاحه، فالقتلة المتسلسلون لا يزالون لغزاً محيراً في كثير من الجوانب وموضوعاً يثير فضول الكثيرين.

توماس هاريس.. مؤلف الجرائم 
توماس هاريس، ‏روائي ومؤلف وكاتب سيناريو أميركي، من مواليد 11 أبريل 1940 في جاكسون، تينيسي، وتحرج في جامعة بايلور بتكساس.. اشتهر بكونه مؤلف شخصية «هانيبال ليكتر» وسلسلة الروايات التي حملت شخصيته مثل «صمت الحملان»، و«التنين الأحمر»، و«هانيبال»، التي تحولت جميعها بعد ذلك إلى سلسلة أفلام ومسلسلات شهيرة.
قد يكون المشروع الأبرز في حياة الروائي الأميركي توماس هاريس هو مجموعة أعماله الروائية عن القاتل المتسلسل آكل اللحوم البشر الدكتور هانيبال ليكتر، فقد كتب عنه حتى الآن أربع روايات تدور في خط زمني يتراوح بين الحاضر والماضي بشقيه القريب والبعيد، ولا شك أن الشهرة الطاغية لأعماله الروائية التي ابتدأها ب«الأحد الأسود» عام 1975م والتي كانت تدور حول أحداث أولمبياد ميونيخ عام 1972م، بدأت مع «هانيبال ليكتر» في «التنين الأحمر» الرواية التي نشرها في عام 1981م، وكانت تتحدث عن قاتل متسلسل آكل لحوم بشر، يدعى «جنية الأسنان» والذي كان يصطاد العوائل بطريقة تبدو عشوائية، ويقتلها عند اكتمال القمر دورياً.