كوالالمبور (الاتحاد)

هل تستطيع الصحافة أن تلعب دوراً في كبح جماح حوادث الطرق المميتة التي تتسبب في أعداد هائلة من الوفيات عبر العالم؟!
نعم يمكنها.. هذا هو رد منظمة الصحة العالمية، لذلك، فقد استضافت قبل أسابيع صحفيين من الهند وبنجلاديش وفيتنام وماليزيا في كوالالمبور لحضور ورشة عمل موسعة لتدريب المشاركين على تقديم تغطيات صحفية أفضل وأكبر لوفيات حوادث الطرق.
وكان أبرز درس تعلمه الصحفيون المشاركون .. لا تعتمدوا بشكل أساسي على تقارير الشرطة فقط بشأن الحوادث المرورية. لماذا؟! .. لأنها في الغالب تلقي باللوم على الأفراد (السائقين أو المشاة) .. لكن يتعين على الصحفيين التركيز على عوامل أخرى أكثر أهمية تلعب دوراً كبيراً في وقوع الحوادث، مثل حالة السيارة المعنية وتصميم الطريق الذي وقع فيه الحادث. 
يقول جونجان شارما، مراسل أكبر وكالة أنباء في الهند، بعد مشاركته في الورشة: «عندما التقيت صحفيين آخرين هناك من بلدان مختلفة، أدركت أن القضية هي نفسها في كل مكان: أن موضوعاً مثل السلامة على الطرق مهمل نوعاً ما، فلا أحد يتحدث عن الطرق المعيبة مثلاً أو سياسات المرور عند وقوع حوادث كبيرة يروح ضحيتها كثير من الأبرياء.»
وتمثل هذه الدورة التدريبية واحدة من ورش عمل كثيرة تعقدها منظمة الصحة العالمية منذ نحو عشرة أعوام بالمشاركة مع المركز الدولي للصحفيين ومركز بوليتزر لتغطية الأزمات، بحسب تقرير نشره موقع «كولومبيا جورناليزم ريفيو»»، (CJR). محور هذه الورش هو زيادة مستويات الأمان على الطرق.. والفكرة الأساسية التي يتم النقاش حولها باستمرار هي أن البشر دائما ما يرتكبون أخطاء ومن ثم فإنه يتعين وضع ذلك في الاعتبار عند تصميم الطرق والسيارات. أي أن إلقاء اللوم باستمرار على الضحايا ليس هو الحل لمنع حوادث الطرق.
وتعول خطة العمل الدولية للحد من حوادث الطرق المميتة، كثيراً على تدريب الصحفيين لزيادة مستويات الأمان على الطرق، من خلال تشجيعهم على زيادة ونشر الوعي بقواعد القيادة الآمنة للحفاظ على الأرواح خلال التنقل بالسيارات. وقال ماتس آكي بيلين، الذي يشرف على تنفيذ الخطة العالمية مؤخراً، أن وسائل الإعلام العالمية لها دور «مهم للغاية» تلعبه في المساعدة على تحويل المجتمعات من النموذج «التقليدي»، الذي يحمل الأفراد مستخدمي الطرق، كل المسؤولية، إلى تبني النموذج الجديد.
وقد ركزت تدريبات منظمة الصحة العالمية على الصحفيين من البلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل - في آسيا، ولكن أيضا في أفريقيا وأمريكا اللاتينية - لأنهم يمثلون مجتمعين أكثر من 90 في المائة من وفيات الطرق على مستوى العالم، على الرغم من امتلاكهم 60 في المائة فقط من المركبات في العالم، وفقا لبيانات منظمة الصحة العالمية. 
لكن السلامة على الطرق تمثل أزمة حقيقية حتى في الولايات المتحدة أيضا، خاصة بالمقارنة مع الدول الغنية الأخرى: فقد ارتفعت الوفيات على الطرق في الولايات المتحدة في السنوات الأخيرة، بما في ذلك أثناء الوباء، حتى مع انخفاض استخدام الطرق. وقد تضرر المشاة وراكبو الدراجات بشكل خاص. وفي أواخر نوفمبر، ذكرت صحيفة نيويورك تايمز أن عدداً أقل من موظفي «الخدمة الخارجية» في وزارة الخارجية الأميركية لقوا حتفهم في الخارج العام الماضي مقارنة بعدد الذين قتلوا بالمركبات أثناء المشي أو ركوب الدراجات في العاصمة.
وقد سبق أن نشرت الكاتبة الأميركية ميج دالتون تقريراً نشر موقع CJR عام 2018، قالت فيه إن الصحافة الأميركية عموما تقع في تغطياتها لحوادث وفيات الطرق في عدة فخاخ، تماما مثلما تفعل الصحافة بأماكن أخرى من العالم، وفق منظمة الصحة العالمية، من أخطرها الاعتماد المفرط على تقارير الشرطة، والتركيز على الحوادث الفردية بدلاً من مناقشة الاتجاهات الحديثة في البنية التحتية وتصميم المركبات، ناهيك عن طرح التساؤلات حول دور السيارات الكبيرة والشاحنات في الحوادث.
وتقول دالتون إن أحد الأسباب التاريخية لذلك هو الضغوط المكثفة التي تمارسها شركات السيارات الكبرى في هذا الصدد. وتعتقد أنجي شميت، مؤلفة كتاب «حق الطريق: العرق والطبقة والوباء الصامت لوفيات المشاة في أميركا»، أن التغطية الإعلامية الأميركية للسلامة على الطرق قد تحسنت بشكل عام، لكن الكثير منها لا يزال سيئاً. ليس فقط الصحافة، ولكن الثقافة الأوسع، «تبرر» الوفيات من خلال استنتاج أن ضحية الحادث «فعلت شيئاً خاطئاً»، كما تقول شميت التي تتولى رئاسة تحرير موقع ستريت بلوج وهو موقع إخباري يركز على إصلاح شبكة النقل. وتضيف «إنه حقا أكثر تعقيداً من ذلك بكثير».
وفي أوروبا، انتقلت وسائل الإعلام السويدية «من إلقاء اللوم على الضحية إلى البدء في مناقشة من يمكنه منع وقوع الحوادث»، حيث صار الصحفيون يضغطون على المسؤولين - مثلاً - بشأن وضع حواجز السلامة على الطرق السريعة الريفية عالية السرعة المعروفة بالعامية باسم «طرق الموت». ومنذ ذلك الحين أثبتت الحواجز فعاليتها العالية.