نيويورك (الاتحاد)
على الرغم من انتهاء تفشي جائحة كوفيد-19، واتجاه دول العالم إلى رفع كل القيود التي ظلت مفروضة لفترة طويلة، خاصة فيما يتعلق بأنظمة العمل، ما زالت العديد من المؤسسات الإعلامية الغربية، خاصة في بريطانيا، تحاول استعادة الدوام الطبيعي، بحيث يمارس الصحفيون عملهم من مكاتبهم.. وليس من منازلهم. لكنها تواجه صعوبات جمة في هذا الصدد، حتى أن بعض المؤسسات هدد بعقوبات قد تصل للفصل.
المدهش أن كثيرا من الصحفيين يصرون على التمسك بساعات العمل المرنة التي تتيح لهم حركة الحركة، فيما يرى رؤساء التحرير أنه لا يمكن أن تبقى قاعات التحرير خاوية على عروشها معظم ساعات اليوم. لذلك يبذلون جهوداً مكثفة لتعود دورة العمل إلى حالتها الطبيعية في مهنة تعتمد بالأساس على التواصل الإنساني النشط والعصف الذهني المستمر.. ويقولون إن الأداء المهني طوال فترة العمل عن بعد تأثر بشكل أو بآخر على الرغم من استخدام التقنيات الحديثة في التواصل.
وفي الأسبوع الماضي، أرسل روبرت طومسون، الرئيس التنفيذي لشركة «نيوز كورب»، تعميماً عبر البريد الإلكتروني لجميع الموظفين، يشرح فيه رؤيته لإعادة ترسيخ «بيئة عمل مكتبية مزدهرة» بعد فترة طويلة صار خلالها العمل من المنزل سائداً في مهن كثيرة، حسبما يقول الكاتب وليام تورفيل في تقرير نشره موقع «برس جازيت».
تحدث طومسون عن الحاجة إلى «تعزيز الإنتاجية والإبداع»، قائلا إنه لا يمكن «توليدها باستمرار في العزلة». وأضاف أن الشركة ستعمل على ضمان «عودة المزيد من الأشخاص بشكل متكرر للمكاتب».
ومع ذلك، يرى البعض أن الأمر ليس سهلاً. مثلاً ، اندمجت صحيفتا التايمز وصنداي تايمز، التابعتان للمؤسسة، في نفس الطابق بالمقر الرئيسي في لندن أثناء الوباء، ولو تم تطبيق قرار العودة للعمل من المكاتب، فلن يجد الصحفيون مساحة كافية لاستيعابهم في يوم واحد. ووفق النظام المعمول به حالياً، يداوم البعض في المقر خمسة أيام، واخرون يومين أو ثلاثة أيام. والصحفيون بعضهم يفضل العمل في المنزل والبعض يحبذ الدوام المكتبي.
وتنظر كثير من إدارات الصحف إلى فترة العمل من المنزل خلال كورونا بأنها مثل جملة اعتراضية طويلة جدا يتعين وضع نقطة في آخرها والبدء من أول السطر، لضخ المزيد من الحيوية في الأداء.
وقد سعى جون ويثرو، الذي استقال من منصب رئيس تحرير صحيفة التايمز في سبتمبر الماضي إلى إجبار الصحفيين على العمل من المكتب على الأقل ثلاثة أيام في الأسبوع، إلا أن خليفته توني غالاغر، لم يصدر بعد توجيهاته في هذا الشأن.
والسياسة العامة عبر مؤسسة «News UK»، والتي تضم أيضا صحيفة The Sun، هي أن يكون الموظفون في المكتب ثلاثة أيام على الأقل في الأسبوع، وفقا لمتحدث رسمي. ومع ذلك، فإن طبيعة العديد من الوظائف الصحفية تعني أنه من الصعب مراقبة ذلك، حيث تحتم طبيعة العمل على كثيرين ممارسة مهامهم بعيدا عن مكابتهم.
وقال مصدر في قاعة التحرير بصحيفة «ذي صن» إن بعض الصحفيين الشبان، وخاصة أولئك الذين يعملون في الموقع، بدوا «مقاومين جدا» للعمل من المكتب، ربما لأنهم «يعتقدون أنهم يستطيعون القيام بوظائفهم بنفس الطريقة تماما أينما كانوا»، بحسب التقرير.
الصحفيون حائرون بين المنزل والمكتب
انتقلت بعض المؤسسات الإعلامية البريطانية لمكاتب أصغر، أو خفضت مساحتها، في السنوات الأخيرة، ومع تفشي كورونا، لجأ أغلبها للدوام المرن. والآن يكافح معظم رؤساء التحرير لإعادة أجواء قاعات التحرير كما كانت قبل كوفيد-19. ولم يعد لهذه الأجواء، سوى صحف «ذي ميل» و«ميل أون صنداي» و«ديلي ميل» و«تليجراف».وينقل تقرير «برس جازيت» عن مصدر قوله إن العمل من المنزل «مستهجن» في «ذي ميل». والسياسة غير الرسمية للصحفيين عبر صحف المجموعة هي «معظم الأشخاص في المكتب معظم الوقت».
وتجبر صحيفة «التلغراف»، الصحفيين على الدوام الحضوري. وقال متحدث باسمها : «التلغراف هي منظمة مكتبية في الغالب مع صالة تحرير تعمل 24 ساعة طوال أيام الأسبوع. تتطلب غالبية أدوارنا الحضور في المكتب. نحن نؤمن بأن التعاون والإبداع يعززان عندما يعمل موظفونا في نفس الموقع».
ومثل News UK، لجأت مؤسسة Reach إلى وضع الصحفيين العاملين في العديد من صحفها بطابق واحد مع موظفين آخرين خلال فترة الوباء. فمثلا، يعمل صحفيو ذي ميرور وإكسبرس وستار في الطابق 23 جنباً إلى جنب مع أقسام أخرى من فروع المؤسسة، بنظام الحضور المرن، حتى الآن، لكن مع تزايد نسبة الحضور على الأقل بين الاثنين والخميس.
أما «الجارديان» حتى وقت قريب هي أن يأتي الموظفون بشكل عام ثلاثة أيام في الأسبوع والعمل من المنزل يومين في الأسبوع. ومع ذلك، فقد تعطل هذا بسبب هجوم إلكتروني في أواخر ديسمبر. ويعمل معظم الموظفين من المنزل منذ ذلك الحين.
وبالنسبة لصحيفة «i»، فمازال يعمل العديد من صحفييها من المنزل مع أنه كان من المتوقع أن يعملوا 3 أيام أسبوعياً من المكاتب.
وفي «لندن إيفنينج ستاندرد»، يأتي العديد من الصحفيين للمكتب بين الاثنين والخميس ثم يعملون من المنزل الجمعة. وتعمل صحيفتا «ذي إندبندانت» و»ستاندارد» بنظام العمل الهجين أيضاً.
أما «فاينانشال تايمز»، فهي تلزم الصحفيين بالعمل من المكتب أيام الثلاثاء والأربعاء والخميس. ويأتي المراسلون والمحررون لمكتب عندما يعملون على قصص كبيرة. وتعتمد هيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي) على نظام العمل المرن، وتمنح الإدارة العليا المديرين القرار، فيما إذا كان بإمكان الصحفيين العمل من المنزل أو بطريقة مرنة.
وتعتمد شبكة «سكاي نيوز» النموذج الهجين، حيث يسمح للموظفين بالعمل من المنزل يومين أسبوعياً.
إجمالاً، يبدو غالبية الصحفيين سعداء بساعات العمل المرنة، على الرغم من افتقادهم أجواء قاعات التحرير المفعمة بالحيوية والنشاط. وقال مصدر في «News UK» إن البريد الإلكتروني الأخير لروبرت طومسون تسبب في «الذعر والقلق» بين بعض الموظفين الذين اعتادوا على فوائد العمل المرن - بما في ذلك رعاية الأطفال وتوفير نفقات التنقل.
وتحرص مؤسسات مثل «ريتش» على إضافة جو صالة الأخبار حيثما أمكن ذلك..
وقالت «ريتش» إن «سياسة المنزل والمقر» تساعد الشركة على دعم «قوة عاملة متنوعة، ورفاهية فرقنا ونهج أكثر واقعية لإنجاز المهمة، أينما كنا نعمل».
وقال متحدث باسم الشركة: «لدينا حاليا حوالي ثلث موظفينا يعملون بشكل رئيسي من المقر، والثلث يعمل بشكل رئيسي من المنزل والثلث المتبقي يتبنى نهجا هجينا».
«تيك توك»: الحضور إلزامي.. وإلا !
أبلغت إدارة منصة «تيك توك» العاملين في لديها في الولايات المتحدة بضرورة الانتقال إلى مقار سكن قريبة من مكاتبهم من أجل الالتزام بالدوام الرسمي في المكاتب وليس عن بعد .. وإلا فأنهم سيعرضون أنفسهم لعقوبات إدارية قد تصل إلى حد الفصل. وقال مصدر إن الإدارة العليا أرسلت عبر النظام الداخلي المعروف باسم «لارك» تعميما للموظفين يحذرهم فيه من أن بيانات السكن الخاصة بهم لديها، تكشف أنهم لم ينتقلوا بعد إلى منازل تقع قرب مقر العمل، كما سبق وطلب منهم.
ويأتي ذلك وسط تصاعد في ضغوط العديد من الشركات الكبرى مثل «تويتر» و»سناب شاب»على موظفيها لوقف نظام العمل عن بعد.. والعودة مجددا للعمل من المكاتب الرئيسة.