علي عبد الرحمن (القاهرة)

نجيب الريحاني، صاحب أكبر بصمةً كبيرة على المسرح والسينما في مصر والعالم العربي، لُقِب بِـ«زعيم المسرح الفُكاهي»، و‏‏الأسطورة‏..‏ «أبوالكوميديا»، وصانع‏ ‏الضحكات‏ ‏والابتسامات، الضاحك الباكي، و«شابلن العرب»، يرجع إليه الفضل في تطوير المسرح والفن الكوميدي، وربطه بالواقع بعد أن كان شديد التقليد للمسارح الأوروبية.
قال: «عايزين مسرح مصري، ابن بلد، فيه ريحة الطعمية والملوخية، وليس ريحة البطاطس المسلوقة والبفتيك، مسرح نتكلم عليه اللغة التي يفهمها الفلاح والعامل ورجل الشارع»، وحقق حلمه الذي عكف طوال 4 عقود في تطويره، قدم خلالها أكثر من 80 عرضاً، ليصبح مدرسة فنية تنهل من خبراته أجيال من المسرحيين بالوطن العربي. 

التلميذ.. ممثل
ولد نجيب إلياس ريحانة في 21 يناير 1889 بحي باب الشعرية بالقاهرة، لأب عراقي وأم مصرية، تلقى تعليمه بمدرسة «الفرير» الفرنسية، وتأثر في طفولته بالأدبين العربي والفرنسي، صاحب صوت جهوري في إلقاء الشعر، اكتشف موهبته التمثيلية معلم اللغة العربية، وضمه لفريق التمثيل ليحظى بدور ثانوي، ثم أسند إليه رئاسة فريق التمثيل.  في السادسة عشرة من عمره، وبعد وفاة والده أجبرته الظروف على العمل مبكراً والتحق بوظيفة كاتب حسابات بالبنك الزراعي ليساهم في إعالة أسرته، وفي تلك الأثناء تعرف الريحاني على المخرج الشامي عزيز عيد، وصقل موهبته بتعلم فنون الكتابة المسرحية والإخراج والترجمة والتمثيل بشكل احترافي، حيث كانا يعملان سوياً بالأدوار الثانوية على مسرح دار الأوبرا المصرية.

البداية المسرحية
في عام 1911 شكل الريحاني وعزيز ثنائياً كوميدياً، وبدآ مسيرتهما الفنية من خلال مسرح «دار التمثيل العربي»، والمعروفة باسم مسرح الشيخ سلامة حجازي، الذي أسند لهما بعد انتهاء عروضه «الفقرة الضاحكة» لتقديم المشاهد والاسكتشات الكوميدية، تخفيفاً من حدة مسرحه التراجيدي، لتبدأ رحلة جديدة بالتحول من مسرح الارتجال إلى النص كبداية حقيقية للمسرح.
بعد عامين انفصل الريحاني عن عزيز، وانضم إلى «فرقة الجوالة» بقيادة أحمد الشامي التي كانت تطوف القرى لتقديم المسرح الارتجالي، واستمر معها عامين وكان للتجربة أثر كبير بمسيرته المسرحية في تقديم النصوص الأجنبية بشكل يتوافق مع البيئة المصرية.
ويعد 1916 عام الحظ والتألق بمسيرة الريحاني حين عرض عليه استيفان روستي مشاركته بالعرض المسرحي «خيال الظل»، على مقهى «أبيه دي روز» ليقدم شخصية «خادم بربري» مقابل أجر يومي 40 قرشاً، وبعدها تعاقد مع إدارة المقهى على تقديم شخصيته الشهيرة «كشكش بك».
في عام 1918 كون الريحاني فرقته المسرحية وقدم مع بديع خيري عشرات المسرحيات الكوميدية من تأليف بديع، أو المترجمة من النصوص الفرنسية ومن أهم أعمالهما «الستات ما يعرفوش يكدبوا»، و«إلا خمسة»، و«حسن ومرقص وكوهين». 
وكان للأوبريت والمسرح التراجيدي نصيب من فن نجيب، وقدم في 1920 «العشرة الطيبة» تأليف محمد تيمور، لتمجيد دور الفلاح المصري وصاغ أشعارها بديع خيري، ولحنها سيد دوريش، ليتعاون الريحاني وبديع ودرويش مجدداً في أوبريت «حكم قرقوش»، و«حمار وحلاوة».
كما قدم الريحاني للمسرح التراجيدي مسرحية «ريا وسكينة»، وأوبريتات «الليالي الملاح - الشاطر حسن - أيام العز» وغيرها من ألحان زكريا أحمد، و«الفلوس - البرنسيس» ألحان داوود حسني، و«نجمة الصباح» لحن محمد القصبجي، كما أسس الريحاني فرقة للتمثيل التراجيدي، واختار لها نصوصاً من الأدب الإنجليزي والفرنسي والألماني.

10 أفلام
وبالرغم من مشواره السينمائي القصير ومشاركته في بطولة 10 أفلام فقط طوال مسيرته، إلا أنها أصحبت علامة بالسينما المصرية، حيث اختارت قائمة أفضل 100 فيلم بتاريخ السينما 3 منها، هي: «غزل البنات»، و«سلامة في خير» و«سي عمر»، وفي قائمة أفضل 100 فيلم كوميدي، 4 من أفلامه، هي: «غزل البنات»، و«لعبة الست»، و«أبو حلموس»، و«أحمر شفايف».
بدأت مسيرة الريحاني مع السينما العام 1931 عندما أقنعه استيفان روستي والمصور الإيطالي توليو كياريني بتحويل أحد عروض المسرحية إلى فيلم، وقدم الريحاني شخصيته المسرحية الشهيرة «كشكش بك» في «صاحب السعادة كشكش بك»، ومع نجاح الفيلم وتحقيقه أصداء إيجابية لدى الجمهور استغل الريحاني وبديع وروستي نجاح الشخصية وقدموها مرة أخرى بفيلم «حوادث كشكش بك» العام 1934، وبنفس العام قدم فيلم «ياقوت أفندي».
وأعاد الريحاني غياب عامين شخصية «كشكش بك»، مرة أخرى في فيلم «بسلامته عاوز يتجوز» والذي عرض عام 1936، ودارت أحدثه حول عمدة ينصرف عن شؤون بلدته من أجل الزواج.
في عام 1946 تحول الريحاني في نمطه السينمائي ليقدم روائعه على يد المخرج ولي الدين سامح، من خلال فيلمي «لعبة الست»، و«أحمر شفايف»، وفي العام التالي قدم تاسع أفلامه «أبو حلموس» مع المخرج إبراهيم حلمي.
واختتم الريحاني مسيرته بـ«غزل البنات»، أحد أعظم كلاسكيات السينما المصرية، بالرغم من أنه لم يكمل تصوير مشاهده بسبب مرضه ودخوله المستشفى وحتى وفاته، وعرض بعد رحيله بـ 3 أشهر وتحديداً في 22 سبتمبر 1949.

زيجتان
تزوج الريحاني مرتين، الأولى عام 1925 من الفنانة الاستعراضية بديعة مصابني، واستمر زواجهما 10 أعوام، والزيجة الثانية من الفرنسية «لوسي دي فرناي» عام 1938 وأنجب منها نجلته الوحيدة «جينا». 

الوفاة
في مفارقة غريبة كتب الريحاني قبل وفاته رثاء لنفسه في الجرائد، وتوفى بعدها بأسبوعين، وقال: «مات نجيب مات الرجل الذي اشتكى منه طوب الأرض وطوب السماء إذا كان للسماء طوب، مات نجيب الذي لا يعجبه العجب ولا الصيام في رجب، مات الرجل الذي لا يعرف إلا الصراحة في زمن النفاق ولم يعرف إلا البحبوحة في زمن البخل والشح.. مات الريحاني في 60 ألف سلامة».
وتوفي في 8 من يونيو 1949 عن عمر يناهز الـ60 عاماً، إثر إصابته بمرض «التيفويد» وبسبب إهمال الممرضة التي أعطته جرعة دواء مضاعفة أدت لموته بالحال، وشيع جنازته أكثر من 5 ملايين شخص، وأمر الملك فاروق بتصوير جنازته سينمائياً بفيلم مدته 18 دقيقة، على أن يكون من مقتنيات قصر عابدين، وعرضها على ملوك وحكام أوروبا بذلك الوقت.