نسرين درزي (أبوظبي)

من قلب العاصمة الشامخة بتاريخها العريق وملاحِم مجد تأبى أن تشيخ، تنطلق اليوم فعاليات مهرجان الحصن السنوي في منطقة الحصن، والذي يحتفي بتراث أبوظبي ويروي قصصاً حية عن نشأة الإمارة وأبرز محطاتها عبر مشهديات ثقافية نابضة بالتجارب والمنصات الملهِمة، وتفاعل بكل الحواس يخبر العالم كيف تُنسج الإنجازات وكيف تُبنى الحضارات.

وليس بعيداً عن وقع دعسات الأوّلين على أرض منطقة الحصن، حيث انبثقت الملامح الأولى لمسيرة رشيدة ممتدة منذ أكثر من 260 عاماً، يتجلى الحاضر بكل حرصه على أصالة الموروث وحرف تبدعها أيادي الأجيال، لتصل إلينا نضرة متوهجة وكأنها تخرج للتو من ماضٍ بعيد على رباط وثيق بسنوات كثيرة آتية. وتدلنا على مستقبل لا تهمل إشراقته العصرية التفاخر دوماً بروايات الصحراء، وأهازيج البحر، وملامح حرفيين منكبين بلا كلل على تطويع خيرات الطبيعة، وتثمين كل تفصيل آت من شجرها ونبتها ونخلها.

مهرجان الحصن الذي تنظمه دائرة الثقافة والسياحة - أبوظبي، حتى 22 من يناير الجاري، يستعيد وهج أزمنة خلت، ويستحضر أصوات الماضي ورائحة الأيام في مباني منطقة الحصن التاريخية، والتي تضم 3 أجزاء مترابطة: قصر الحصن والمجمّع الثقافي، وبيت الحرفيين. المهرجان - الحدث يصطحب الزوار إلى رحلات عابقة عبر الزمن تملأ الساحات الخارجية الفسيحة، إرثاً شفهياً ومادياً وصل صداه إلى أقاصي الأرض، حتى تم إدراج الكثير من إبداعاته ضمن قائمة «اليونيسكو» للتراث العالمي.

ومع كل انطلاقة جديدة لمهرجان الحصن المتكئ على عراقة أبوظبي وتاريخها المضيء، تحضر في منطقة الحصن المشغولات التراثية والحرف اليدوية لا لتذكرنا بشعاع الماضي وحسب، وإنما لتضع الورش والمعارض أمام أعيننا كم لهذا الموروث الشعبي من أهمية وحضور في حياتنا العصرية، ولتذكرنا برونقه الباقي وبضرورة حفظه جيلاً بعد جيل بكل فخر واعتزاز.

رحلة البحث عن المزيد من روايات أبوظبي، توفرها فعاليات المهرجان في أكثر من إطلالة زمنية، ومن خلال محطات عدة تستعرض التقنيات الحرفية ومقومات الثقافة الإماراتية، بدءاً من بيت الحرفيين بثراء مفرداته، إلى المجمّع الثقافي وبرنامجه المحفِّز للابتكار، وصولاً إلى «قرية الصنّاع» الضاجة بمنتجات المصمّمين، ومنصة التجريب والحوار الثقافي في قلب المشهد الحضري المتطوّر في أبوظبي. وكل ذلك يأتي جنباً إلى جنب مع الحفاظ على التقاليد الإماراتية، انسجاماً مع رؤية «الثقافة والسياحة»، ورسالتها الهادفة لترسيخ مكانة أبوظبي وجهةً ثقافيةً عالميةً، تتطلع بشموخ نحو المستقبل.