محمد وقيف

لاقى كتاب ميشيل أوباما نجاحاً منقطع النظير محطماً أرقام المبيعات ومحوِّلاً السيدة الأولى الأميركية السابقة إلى نوع جديد كلياً من المشاهير. وبناءً على ذلك النجاح، خططت أوباما لتأليف كتاب ملهم آخر حول الكيفية التي تغلبت بها على الشدائد التي واجهتها. لكن الاضطرابات وحالة عدم اليقين التي خلقتها الجائحة، واستمرار قتل السود على أيدي الشرطة، والجرائم التي ترتكب في حق الآسيويين، والهجوم على مقر الكونجرس في 6 يناير 2021... كلها عوامل وسّعت النطاق وفرضت مساراً مختلفاً. والنتيجة كانت كتاب «النور الذي نحمله.. التغلب في ظروف عدم اليقين». العنوان يحيل إلى أهمية التعرف على نور المرء واستمداد القوة منه. وجاء الكتاب جزئياً تلبيةً لطلبات بعض القراء، ولئن كانت أوباما تعترف بأنها لا تملك كل الإجابات، فإنها تستطيع عرض «صندوق الأدوات» الخاص بها، أي التقنيات والاستراتيجيات التي تستخدمها لتدبير شكوكها الذاتية وقلقها والتصدي للسخرية والتشكيك. وتشمل استراتيجياتُها الدعمَ الذي توفِّره العائلة والأصدقاء، وهوايات من قبيل الحياكة، التي شرعت في مزاولتها خلال جائحة فيروس كورونا. هواية تسمح لها بالتركيز على «قوة الأعمال الصغيرة، واللفتات الصغيرة، والطرق الصغيرة التي قد تسمح لك بإعادة الضبط والتجديد»، كما تقول. ولعل ما يجعل هذا الكتاب متميزاً ومتفرداً هو أنه يبني على أجزاء من كتابها السابق «التغيير»، وفيه تلعب أوباما دور مرشدة وموجِّهة تستخدم لحظات مفصلية من حياتها لتُظهر المرات التي اضطرت فيها للاعتماد على شجاعتها وجرأتها بينما كانت تشقّ طريقها من شقة في الطابق الثاني في شارع «ساوث يوكليد» بمدينة شيكاغو، إلى واحدة من الجامعات العريقة والمرموقة في البلاد، إلى «قصر بـ132 غرفة، يحيط به الحرس»، كنايةً على البيت الأبيض. تستهل أوباما كتابها بوالدها فريزر روبينسون الثالث، فتحكي قصة كيف أن كفاحه ومعاناته من عدة أنواع من مرض تصلب الأنسجة وعدم ثباته في المشي لقّناها دروساً مبكرةً حول ضرورة تحقيق التوازن وتطوير أدواته، أو ما تسميه «البقاءَ منتصبةً داخل التحديات والتغيير». في مذكرات شخصية تطلق فيها العنان للعبة البوح، تتشارك ميشيل أوباما قصتَها مع القرّاء بصراحة. فتكتب حول أهمية أن يتعلم المرء أن يكون «خائفاً على نحو مريح»، أي استخدام الخوف للتوجيه بدلاً من الإعاقة، وكيف أن مخاوفها كان يمكن أن تحبط ترشح زوجها باراك أوباما للرئاسة لأنه قرر أن يمنحها الكلمةَ الفصل بخصوص إطلاق حملته من عدمه. وعن ذلك تقول: «شعور غريب ينتابني حين أفكر في أنه كان يمكن أن أغيّر مجرى التاريخ بسبب خوفي». إحدى اللحظات المفاجئة تركز على خطاب مهم لها خلال المؤتمر الوطني للحزب الديمقراطي في دينفر سنة 2018. فقد اعتلت الخشبةَ بـ«مركز بيبسي» مستعدةً لإلقاء خطاب مباشر، بعد تقديمها للجمهور من قبل شقيقها كريغ روبنسون، لتكتشف أن إحدى شاشتي جهاز الـ«برومبتر» لا تعمل. لكنها لم تجزع لأنها كانت تحفظ الخطاب عن ظهر قلب. وبلورت تلك اللحظةُ درساً مهماً ألا وهو: كن مستعداً دائماً. أوباما لا تخفي غضبَها وإحباطَها من الرئيس السابق دونالد ترامب والطريقة التي تعاطى بها مع الوباء والهجوم على مقر الكونجرس.. فتتحدث عن الحزن الذي انتابها بعد انتخابات عام 2016، وعن حقيقة أن الكثير من الأميركيين كانوا ينظرون إلى ترامب باعتباره نوعاً من «التصحيح» لفترة زوجها الرئاسية.. وهذا ما جعلها تتساءل حول ما إن كانت سنوات أوباما تعني شيئاً بالنسبة للأميركيين؟ وبهذا الخصوص كتبت: «ما زال ذلك مؤلماً. لقد شعرتُ بصدمة كبيرة حينما سمعتُ الرجل الذي حلّ محل زوجي كرئيس يستخدم، بشكل علني وغير اعتذاري، إساءات عرقية، ويجعل الأنانيةَ والكراهيةَ مقبولتين بصورة ما، ويرفض التنديد بالعنصريين البيض أو دعم الأشخاص الذين يتظاهرون من أجل العدالة العرقية. لقد صدمتُ وأنا أستمع إليه يتحدث عن الاختلاف كما لو كان تهديداً». أوباما تتحدث أيضاً عن قوة مشاركة القصص الشخصية، وهو أمر تعتبره في غاية الأهمية لدرجة أنها ساقت قصةً عن مساعِدتها الشخصية «شاينا»، التي قامت بعد سنوات من العمل معها عن قرب، بالدعوة إلى اجتماع لتبوح لها بسر: إن والد شاينا سبق له أن قضى عقوبة سجنية. أوباما طمأنت مساعدتها بأنه لن يكون لذلك أي تأثير على وظيفتها أو علاقتهما. وكتبت تقول: «بالنسبة لشاينا، تبين أن البوح بهذا الجزء من قصتها نوع من التنفيس والتفريغ النفسي»، مضيفةً: «وذاك لم يزدني إلا احتراماً لها». عبر ثنايا الكتاب، تشير أوباما إلى قصص تتعلق بمشاهير آخرين، لتكون لحظات حافلة بالعبر أو نماذج للمرونة والتصميم: ومن ذلك قصة تتعلق بالممثل وكاتب الكلمات لين مانويل ميراندا حول كيف يمكن استخدام الرهبة التي تنتاب المرء قبل عرض ما مثل «وقود صواريخ»، ليستمد منها طاقةً إيجابيةً. كما تورد قصةً تتعلق بالشاعرة أماندا غورمان حول التغلب على الإعاقة، وقصة أخرى تتعلق بقاضية المحكمة العليا كيتانجي براون جاكسون حول بناء «جدار ذهني بينها وحكم الآخرين».

الكتاب: النور الذي نحمله.. التغلب في ظروف عدم اليقين
المؤلفة: ميشيل أوباما
الناشر: كراون
تاريخ النشر: نوفمبر 2022

ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست لايسنينج آند سينديكيت»