واشنطن (الاتحاد)

لا تدخر الصحافة التقليدية وسعاً لاستكشاف آفاق التكنولوجيا الحديثة بحثاً عن جمهور جديد حتى ولو كانوا في ملهى للصغار.. هذا تقريباً حال صحيفة رصينة، صاحبة تاريخ عريق من الإنجازات المهنية عبر أكثر من مئة عام، مثل واشنطن بوست مع «تيك توك».
دخلت الصحيفة - على استحياء - المنصة الجديدة في مايو 2019، وهي تتلمس طريقها وسط زحام هائل من مقاطع الفيديو القصيرة، التي تتدفق بلا نهاية من كل حدب وصوب. كان هدفها استقطاب جمهور جديد من المراهقين الذين لديهم شبه إقامة دائمة في التطبيق الشهير. هل يصدق أحد ذلك؟! صحيفة تعد من قلاع الصحافة العالمية تضطر لخوض منافسة مع مؤثرين شبان يقدمون محتوى أقرب ما يكون للتسالي والترفيه الساذج. 
نظرت واشنطن بوست للأمر بتواضع وتفاؤل. عينها كانت على المستقبل. لذلك نجحت خلال عامين ونصف العام، في استقطاب 1.5 مليون متابع، وأكثر من 96 مليون «لايك».
النتائج المذهلة، أحدثت دوياً في عالم الصحافة، التي كانت تنظر في البداية بترفع إلى تيك توك باعتباره مجرد منصة للتسلية الساذجة، يتلهى بها الصغار والمراهقون عن أداء فروضهم المدرسية. لكن بعد النجاح المدوي الذي حققته المنصة والشعبية الهائلة التي حصدتها عبر العالم، بدأت الصحافة التقليدية تتساءل: لماذا لا نحاول الوصول عبر التطبيق إلى جمهور ربما لم ولن يفكر أبدا في الاطلاع على صحيفة، بشكلها التقليدي أو الرقمي؟!
لجأت واشنطن بوست إلى صيغة ذكية للغاية لتقديم الأخبار ومتابعة أحدث التطورات بطريقة تناسب أجواء وجمهوروخصائص تيك توك. وبرع في ذلك منتج الفيديو والمحرر والكاتب ديف يورغنسون الذي أطلق حساب الصحيفة على المنصة تحت اسم «Washington Post TikTok Guy».

يقدم يورغنسون مادته الإخبارية بطريقة «الاستكشات»، اعتمادا على مزيج من خفة الظل والموسيقى والجرافيكس والجمل القصيرة جداً والأغاني ولا مانع من الرقص أو الأداء التمثيلي. ولنتخيل أن أخبار بشأن كورونا أو قرارات للبيت الأبيض، يمكن تقديمها وفق هذه التوليفة التي تحول الأخبار إلى مادة للترفيه أو ما يشبه المسرح الهزلي في مدة قد لا تتجاوز 30 ثانية.. وهو ما يفسر إقبال الصغار بأعداد كبيرة على متابعة الحساب في غضون فترة قصيرة. 
يقول يورغنسون لمجلة فوربس في مقابلة نشرت قبل نحو عام «بجانب الجمهور الأصغر سنا، لدينا أيضاً جيل الألفية الذين هم في العشرينيات من العمر الآن، حتى الجيل X وجيل الطفرة السكانية. أمي على TikTok طوال الوقت. هذا يساعد، حتى نتمكن من تحسين بعض المحتوى وأن نكون أكثر توجها نحو الأخبار.»
التجربة برمتها أثارت الدهشة والتساؤلات عند كثيرين تملكتهم الحيرة عن الأسباب التي قد تدعو صحيفة تحمل في خزانتها مجموعة من أرفع الجوائز الصحفية الأميركية بل وأسقطت حتى رئيساً أميركياً بحجم ريتشارد نيكسون، ما الذي يجعلها تبادر أو تغامر قبل غيرها من المؤسسات الصحفية الأميركية، بالمضي قدما في اقتحام تيك توك؟!
يرد ميكا جيلمان، مدير الفيديو التحريري في «واشنطن بوست» قائلاً: «عندما أطلقنا قناتنا على TikTok قبل عامين، رأينا فرصة لتقديم الأخبار بطريقة فريدة والوصول إلى جماهير جديدة... منذ ذلك الحين، أثبتت TikTok أنها واحدة من أسرع منصاتنا نمواً.». وأضاف في بيان نشره مؤخراً:»ستزيد هذه المنصات الجديدة من النجاح الذي شهدناه، مما يساعدنا على زيادة النمو والابتكار ومواصلة التواصل مع المزيد من الأشخاص الذين قد لا يستهلكون الأخبار التقليدية بانتظام.»
يقدم يورغنسون الذي يدير حساب واشنطن بوست على تيك تيك كما لو كان مدونة شخصية، نحو 10 مقاطع فيديو يوميا على المنصة، وهي تغطي كل شيء من الموضوعات الجادة حتى حرب أوكرانيا. أثارت قدرة يورغنسون على التفاعل مع الشباب اهتماماً كبيراً ليس فقط في واشنطن بوست ولكن أيضاً في الصحافة عموماً. وقد تمت مشاهدة مقاطع الفيديو الأكثر شيوعاً ملايين المرات.

أعضاء جدد يعززون الأداء
مؤخرا قررت واشنطن بوست تعزيز قدراتها وحضورها على «تيك توك»، حيث أعلنت دعم محررها ديف يورغينسون بمحررين جديدين لمساعدته في تعزيز أداء حساب الجريدة على المنصة سريعة النمو.
وأعلن مدير الفيديو التحريري ميكا جيلمان والمنتجة التنفيذية لورين ساكس عن انضمام كارميلا بويكين الحاصلة على درجة البكالوريوس في البث والصحافة الرقمية من كلية S.I. Newhouse للاتصالات العامة في جامعة سيراكيوز، بعدما عملت مذيعة وباحثة في عدة محطات تلفزيونية. 
كما تم الإعلان عن انضمام كريس فاسكيز بدوام كامل بعد الانتهاء من فترة تدريب وبضعة أشهر إضافية من العمل على TikTok. تخرج كريس من كلية ميديل للصحافة في جامعة نورث وسترن في يونيو 2021 بدرجة البكالوريوس والماجستير في الصحافة. في ميديل، قاد كريس استراتيجية الفيديو لصحيفة ديلي نورث وسترن وعمل كمرشد لزملائه الصحفيين، وتدرب في معهد نيويورك تايمز للصحافة الطلابية، وتكساس تريبيون ومحطة تلفزيون في فلوريدا.