د. شريف عرفة

في يوم من الأيام، كان الناس يستخدمون الهاتف لإجراء مكالمات هاتفية!
كان هذا في الماضي السحيق قبل أن يصبح الهاتف ذكياً، ويندمج في نسيج حياتنا وكأنه امتداد لعقولنا وأجسادنا.. فالبحث في «جوجل» أصبح وسيلة طبيعية للبحث عن المعطيات الكافية كي تستطيع التفكير.. وأصبحت و«اتساب» وسيلة الاطمئنان على أهلك والتحدث مع أصدقائك ومتابعة أعمالك.. وأصبحت - بالهاتف - تدفع فواتيرك وتتابع معاملاتك لدرجة أنك لا تستطيع الاستغناء عنه..
فما تأثير استخدام الهاتف علي سيكولوجية الإنسان الحديث؟
خلب هذا السؤال لب علماء النفس وراحوا يدرسون تفاصيله..
وكلما بحثوا أكثر، وجدوا إجابات كاشفة ومثيرة.

لماذا نستخدم الهاتف؟
وجد العلماء أننا لا نستخدم هواتفنا لأسباب موضوعية طوال الوقت.. بل كثيراً ما نستخدمها لسبب عاطفي.. أو علي سبيل الدقة: لإدارة مشاعرنا!
هذا ما كشفته دراسة حديثة تحمل عنوان «السعادة الفورية»: الهواتف الذكية كأدوات لتنظيم المشاعر اليومية، نشرت بالمجلة الدولية لدراسات الإنسان والكمبيوتر، أجراها باحثون من كلية إمبريال كوليدج للأعمال بلندن، وكلية الحاسبات ونظم المعلومات بجامعة ملبورن.. حيث وجدوا أن كثيراً من الناس يستخدمون الهاتف لأسباب تتعلق بالرغبة في التحكم في المشاعر غير المرغوبة.
في هذه الدراسة، تم استطلاع رأي مجموعة من الطلاب في جامعة أسترالية عن طريق إرسال أسئلة لهم خلال حياتهم اليومية.. 5 مرات في اليوم على مدار أسبوع. بعد ذلك، أكمل المشاركون مقابلات شخصية مع الباحثين للتحدث عن تفاصيل استخدامهم للهاتف ودور ذلك في حالتهم الشعورية للحصول على معلومات أكثر.. فماذا وجدوا؟

إدارة المشاعر
أفاد المشاركون في الدراسة، أنهم يستخدمون هواتفهم عند الشعور بالملل والتوتر والحزن والوحدة والتعب، عندما يكونون بمفردهم، أثناء التنقل، وأثناء فترات الدراسة أو العمل. أي أن الدافع لتصفح «الإنترنت» ليس لمعرفة الأخبار أو للتواصل مع الأصدقاء، بل درء حالة شعورية غير مرغوبة. محاولة للقضاء في مشاعر سلبية.
وقد كشفت النتائج أن أكثر من نصف المشاركين استخدموا هواتفهم لهذا السبب: تنظيم المشاعر. لهذا تجد يدك تتحرك تدريجياً نحو هاتفك في أوقات عشوائية دون سبب حقيقي.. وهو ما يفسر إدمان البعض لتصفح هواتفهم من دون مطالعة محتوى حقيقي..
كان تصفح وسائل التواصل الاجتماعي، والاتصال المباشر بالآخرين، واستهلاك الوسائط المرئية والمسموعة من الطرق التي انخرط فيها المشاركون في تنظيم المشاعر. وجد الباحثون أن المشاركين يستخدمون تطبيقاً واحداً في المرة الواحدة لتنظيم مشاعرهم. ما يفيد بأن لكل شخص تطبيق مفضل ما، يعتبر أنه وسيلته لاستحضار الحالة الشعورية المطلوبة.

وسيلة غير فعالة
هل يعني هذا أن استخدام الهاتف وسيلة فعالة لتحسين حالتنا النفسية؟ يبدو أن الإجابة هي لا. فمن ناحية، لا يستمر هذا التأثير كثيراً، بل هو تأثير مؤقت وعابر كما كشفت الدراسة.. فبعد ساعات قليلة تعود الحالة الشعورية كما كانت.. ومن ناحية أخرى، قد يكون التأثير عكسياً.. فقد أفادت نسبة كبيرة من المشاركين أن تصفح وسائل التواصل الاجتماعي كان له تأثير عكسي وعكّر مزاجهم!
وفي النهاية، يخلص الباحثون في هذه الدراسة لما نصه:
- «تشير هذه الدراسة إلى أن الأشخاص قد يقضون وقتاً طويلاً في استخدام الهواتف الذكية لتنظيم المشاعر، خاصةً عند مواجهة المشاعر السلبية مثل الملل والتوتر. يرى الناس أن جهود تنظيم المشاعر القائمة على الهواتف الذكية فعالة للوصول إلى الحالات العاطفية المرغوبة؛ ومع ذلك، فمن المحتمل أن تكون هذه الآثار قصيرة الأمد وقد تؤدي في بعض الأحيان إلى نتائج سلبية».