خولة علي (دبي) 

أنشأت الدكتورة سلطانة عثمان، استشارية العلاج النفسي والأسري، مزرعة «ماما للاستدامة»، أول نموذج إماراتي مبتكر للزراعة المنزلية، قائم على تقنية الزراعة الهوائية، رغبة في إحداث تغيير في طريقة بناء وإدارة الفضاءات الحضرية، وهذا المشروع يستوعب 6840 شتلة في مساحة 377 متراً مربعاً، موزعة في بيتين زراعيين، يضمان أصنافاً متنوعة من الخضراوات الورقية والقرعيات. 
وأشارت عثمان إلى أن تخصيص مساحة في الحديقة لزراعة الخضراوات والفواكه، يجعل الأسرة تتمتع بنظام غذائي صحي وبتكلفة منخفضة، كما يفتح المجال لكسب المال عن طريق بيع هذه المحاصيل الزراعية.

وتؤكد الدكتورة سلطانة أن هناك علاقة فطرية تربط بين الإنسان ونظم الحياة الخضراء، وهذا الإحساس ينبع من نقاء وجمال الطبيعة، ويساعد الدماغ على الاستجابة لأي عملية شفاء بشكل أكبر، فالطبيعة تخفف من الأمراض وتحقق الراحة النفسية، وقد أظهرت العديد من الدراسات والأبحاث أن الزراعة وأعمال البستنة يمكن أن تعزز الصحة النفسية وتدعمها وتساعد الإنسان في مختلف جوانب حياته، فهي تعمل على تحسين المزاج، وتقليل التوتر والقلق، وزيادة التركيز والانتباه، كما أن الاسترخاء أثناء الزراعة يقوي الجهاز المناعي، ويحفز على ممارسة الرياضة، ويشجع على الأكل الصحي والمتوازن. 

زراعة هوائية 
ولرغبتها في تأسيس مزرعة نوعية توفر الجهد والوقت والماء وتحافظ على البيئة، وتساعد على الزراعة المستدامة بتقنية مبتكرة، اعتمدت د. سلطانة تقنية الزراعة الهوائية Aeroponic في هذا المشروع وبشكل عمودي، وهي طريقة زراعة المحاصيل في طبقات مكدسة رأسياً، وتعليقها بشكل منفصل في الهواء من دون تربة، وتتميّز هذه التقنية بسهولة حصاد محاصيلها، إذ تعتمد على وضع جذور النباتات داخل محاليل مُغذّية بلا وسيط، أو تربة، وبالتالي الحصول على أفضل بيئة للأكسجين والرطوبة، ما يوفر ظروفاً أكثر توازناً للاستفادة من العناصر الغذائية، إضافة إلى أن النباتات تنمو وتتطور فيها بشكل أسرع، وتُعدّ الطماطم، الفراولة، الخسّ، الخضراوات الورقية والنباتات العشبية، من النباتات التي يُمكن زراعتها باستخدام هذه التقنية. 

خصائص وكفاءة 
وتضيف د. سلطانة أن تقنية الزراعة الهوائية تتميز بالعديد من الخصائص، منها تحقيق أكبر كفاءة في استخدام موارد المياه من بين طرق الزراعة المائية المختلفة، حيث إنها توفر 95% من مياه الري، بينما الطرق الأخرى توفر 70% فقط، كما أن هذه التقنية في الزراعة توفر أيضاً استهلاك الأسمدة والمبيدات بنسبة 50% مع زيادة في الإنتاج تصل إلى 40%، وأيضاً توفر في استخدام الأيدي العاملة، والخدمات الزراعية كالحراثة والتعشيب، وتقلل بشكل كبير من إصابات النباتات بالآفات الحشرية والفطريات، خاصةً عند استخدامها في البيوت المحمية.

بحث وتعلم 
تشير د. سلطانة إلى أن التعليم الذاتي كان له الفضل في رحلتها مع الزراعة، حيث تابعت الكثير من البرامج الزراعية على الـ«يوتيوب»، والتحقت ببعض الدورات الزراعية على «الإنترنت»، وتواصلت مع بعض المهندسين الزراعيين لاستشارتهم في المشاكل التي كانت تواجهها، إضافة إلى التجارب العملية التي قامت بها لمتابعة حالة النباتات أثناء نموها وحتى إزهارها وطرح الثمار، مع معرفة الأمراض والآفات التي قد تصيبها وكيفية معالجتها، الأمر الذي ساعدها على اكتساب الخبرات في هذا المجال.

ورش عمل
تنظم د. سلطانة ورش عمل حول التثقيف الغذائي الصحي والتدريب على أساسيات الزراعة والتقنيات الزراعية الحديثة لسكان الحي، وتقدم الاستشارات الزراعية من خلال مؤسسة «ماما للاستشارات الزراعية» والتي تندرج تحت لواء مؤسسة محمد بن راشد لدعم المشاريع الصغيرة والمتوسطة. وتشجع د. سلطانة الجميع على تبني ممارسات زراعية مستدامة لتحقيق الاكتفاء الذاتي المستدام على مستوى الأفراد والأُسر، لتصبح ظاهرة مجتمعية صحية تعود بالفائدة على الفرد والأسرة والمجتمع.

فكرة المزرعة
مع تقلص المساحات الخضراء في المدينة واكتساح المباني الإسمنتية الشاهقة للمظهر العام، شعرت د. سلطانة بأن هناك حاجة ماسة لبقعة خضراء تجعلها تتوحد مع الطبيعة، ومن هنا بدأت فكرة إنشاء مزرعة «ماما للزراعة المستدامة» في الحي الذي تقطنه، لتحقق لها الفائدة النفسية والمعنوية والغذائية وينتفع بها أهلها وأصحابها وجيرانها.

سوق أسبوعي
في موسم الشتاء، يتم تنظيم سوق أسبوعي لمنتجات المزرعة في مزرعة «ماما» للزراعة المستدامة، حيث تدعو سكان الحي لشراء منتجاتها الطازجة والنظيفة والخالية من أي مبيدات كيماوية، كما يتم عمل جولات تعريفية وتعليمية لطلبة المدارس حول أنظمة عمل المزرعة وكيفية زراعة الخضراوات ونموها وطرق حصادها، حتى تصل إلى المائدة