نسرين درزي (أبوظبي)
العلاقة النموذجية الوطيدة التي تجمع دولة الإمارات وروسيا الاتحادية، عريقة وممتدة، وتميزها إلى الجانبين السياسي والاقتصادي، محطات ثقافية وسياحية لطالما كانت بحجم التمسك بالهوية والتاريخ والتطلع إلى المستقبل بخطى واثقة. ومع ترقب الجولة الترويجية التي تنظمها لجنة السياحة في موسكو على أرض الإمارات يوم 18 أكتوبر، للترويج لأهم معالم الجذب في العاصمة الروسية، لا بد من الإضاءة على مسرح «البولشوي» العريق، الذي يُعتبر همزة الوصل الأكثر حضوراً بين تاريخ المدينة منذ زمن القياصرة وحاضرها المتشح بهالة لا تشيخ.
مسرح البولشوي الموغل في التاريخ لقرابة قرنين، والذي يشكِّل رمزاً وطنياً يجمِّل ورقة المئة روبل، أُعيد افتتاحه عام 2011، واستضاف في مارس عام 2018 النسخة الأولى من حفل توزيع جوائز «برافو العالمية للموسيقى»، الذي جاء برعاية حكومة أبوظبي. وكان ضيف الشرف فيه عملاق الأوبرا التينور خوسيه كريراس، حيث أحيا الفنان حسين الجسمي أمسية إماراتية صدح فيها صوته في أرجاء «البولشوي»، وحصد جائزة «الفنان الأكثر شعبية في الشرق الأوسط وشمالي أفريقيا».
روايات بين الجدران
ما أن يعبر الزائر الخطوات الأولى باتجاه القاعات الأرستقراطية، تتضح له حقيقة أن مسرح البولشوي لا تقتصر أهميته على جمالياته المعمارية التي تشبه زمن تشييده عام 1825، وإنما على تفرده باحتضان روايات دفينة يخبئها بين جدرانه، ومن خلفها عروض عالمية تجذب أكثر من 3 آلاف مشاهد في اليوم. حتى أن الفوز بحضور أمسية بولشوية يعني حجز تذكرة قبل أشهر من موعد العرض، وغالباً يكون ذلك قبل حجز تذكرة السفر للمهتمين بالفنون الكلاسيكية من أنحاء العالم.
حبر فلاسفة
حالة الإبهار تبدأ من بوابة المسرح العملاقة، التي تجوبها وفود فارهة الأناقة تجمعهم طريقة مشي واحدة. رأس مرفوع وملامح جادة ترسم صورة واضحة عن طبقة مخملية مغايرة لا يمكن مصادفتها إلا في هذه البقعة من أوروبا الشرقية. طبقة مخضرمة بأمجاد التاريخ وعظمة أبطال وتصفيق مسارح وأضواء شهرة وحبر فلاسفة وأدباء، وأساطير آتية من وحي عصور أرستقراطية رحلت وتعود.
هنا السلالم مذهبة والمصعد نحاسي، فيما الأروقة متشابهة ويغلب عليها طلاء ملكي وسجاد أحمر يغزو أرضيات المسرح المؤلف من 4 طبقات سفلية و10 علوية، تحمل على سعتها انطباعات عن عظمة «البولشوي» كتحفة لا تزال عالقة في التاريخ، إذا ما قورن بجيله من المسارح الأوروبية. وأحدث قصصه ليلة إعادة افتتاحه الباهرة التي شهدت يوم 28 أكتوبر عام 2011 حفلاً أسطورياً حضره رؤساء دول عظمى وشخصيات نافذة توزعوا عند مدرجاته آتين من بقاع الأرض. كان ذلك بعد 6 سنوات من أعمال التجديد، وتكلفة ناهزت 798 مليون دولار، وقد بثت احتفالية إعادة إحياء «البولشوي» مباشرة عبر شبكات التلفزة والمواقع الإلكترونية حول العالم.
تمثال أبولو
بالغوص أكثر في تفاصيل «البولشوي» الذي يعني بـ«الروسية» المسرح الكبير، فهو أحد أهم رموز الثقافة والفن في مدينة موسكو وثاني أكبر مسارح أوروبا. أمرت بتشييده كاثرين العظيمة عام 1776، ونفذه عام 1825 المهندس المعماري جوزيف بوفيه، وضُرب بتصميمه المثل عن العمارة الكلاسيكية الروسية. ويضم المسرح رواقاً غاية في الإتقان، فيه تمثال أبولو ومركبته و4 شرفات مصممة بطريقة باهرة. وبعد حرائق عدة اندلعت فيه آخرها عام 1853، كان ضرورياً عام 1856 تأمين مسرح يتوَّج فيه القيصر ألكسندر الثاني فأُعيد بناء «البولشوي» على يد المهندس الروسي الإيطالي ألبرتو كافوس الذي صمم المسرح والمنطقة المخصصة للحضور على شكل آلة كمان ضخمة.
مطرقة ومنجل
أسرار كثيرة تعيش داخل «البولشوي»، منها عشق ستالين للأوبرا الروسية، حيث كان يدخل إلى المسرح عبر ممر سري تحت الأرض ليجلس في مقصورته إلى اليمين. وليس ببعيد عن ذلك المشهد تحوَّل «البولشوي» إلى مسرح القوة الشيوعية العظمى الرسمي، حيث احتلت المطرقة والمنجل مكانة بارزة على ستارته الحمراء، ومع أعمال الترميم الأخيرة أُسدلت ستارة جديدة تحمل شعار النسرَين رمز روسيا الفدرالية. وفي «البولشوي» تقام عروض أعظم مسرحيات الأوبرا والباليه، وتوجد أقدم فرقة باليه في العالم تتكوّن من 200 عضو، تختصر حلم كل راقص وراقصة باليه على طريق الشهرة.
وتقع على مقربة من مسرح البولشوي مجموعة معالم جاذبة، منها: تمثال كارلوس ماركس، متحف الدولة التاريخي، برج نيكولسكايا، مقبرة الجندي المجهول، ساحة ماليزنايا، قلعة الكرملين، مجلس الشيوخ الروسي، متحف الفنون التطبيقية، الميدان الأحمر حيث ضريح لينين، منصة لوبنوي ميستو، ومسرح مالي الذي يُعتبر منافساً قوياً لـ«البولشوي».
ثراء مترف
كما هو النقيض بين جدرانه الرمادية من الخارج وصخب ألوانه الأرستقراطية من الداخل، يشع من مدرجات «البولشوي» ثراء مترف يلغي كل مظاهر التصدعات التي أنهكته عبر السنين. والصرح الثقافي تصدح أروقته وممراته بروايات تتجدّد مع كل ملحمة أوبرالية، وتتلوّن مع كل مشهدية باليه تستحضر المعنى الحقيقي للثورة الفنية.
18 أكتوبر
تنظم لجنة السياحة في موسكو 18 أكتوبر الجاري حملة ترويجية في الإمارات كجزء من جهودها المستمرة للإضاءة على العاصمة الروسية كوجهة سياحية رائدة. ويرافق لجنة السياحة في موسكو أثناء الحدث شركات محلية روسية متخصصة في مجال السفر، وممثلون عن أهم أماكن الجذب السياحي المثالية لسوق السفر في الإمارات. ولدى موسكو شراكة طويلة الأمد مع سوق السياحة في الإمارات، وكانت لجنة السياحة في موسكو استضافت العام الماضي عرضاً ترويجياً ناجحاً في دبي، وهذا العام، زار ممثلون من قطاع صناعة السفر والسياحة في الإمارات العاصمة موسكو للتعرف على تراثها الثقافي ومعالمها المميزة ومطاعمها عالية الجودة.
تصنيفات رائدة
موسكو ليست وجهة شهيرة فحسب، بل هي أيضاً رائدة في العديد من التصنيفات السياحية. ففي العام الماضي، فازت العاصمة الروسية بفئتين مختلفتين عن جوائز السفر العالمية لعام 2021 «الوجهة السياحية الرائدة عالمياً»، و«المدينة التراثية الرائدة في العالم». كما احتلت موسكو المركز الرابع ضمن أفضل 100 مدينة في العالم.
مقصورات المشاهير
رفاهية المشهد وترف الوجوه وجميل اللباس تأخذنا إلى مشاهير جلسوا في مقصورات هذا الصرح العظيم، كان أكثرهم تأثيراً الأميرة ديانا، التي سرقت الأضواء من العرض يوم حضورها، والقائد الثوري الكوبي فيدال كاسترو والرئيس الأميركي الأسبق ريتشارد نيكسون الذي تجوّل في أرجاء «البولشوي» في أحلك أيام الحرب الباردة.