أبوظبي (الاتحاد)

تضرب الصحافة التقليدية - وحتى الميديا الجديدة - في منطقتنا العربية، أخماساً في أسداس بشأن ما يريده الجمهور بالضبط. الجميع حائرون، لكنهم يواصلون العمل بنظرية التجربة والخطأ اعتماداً على أرقام توزيع ومشاهدات، مضللة جداً في معظم الأحيان، إن لم تكن دقيقة في أفضل الأحوال.
الغريب أن لا أحد تقريباً يحاول التوجه للجمهور ليسأله: أيها الجمهور ماذا تريد بالضبط؟! أعني أن استطلاعات الرأي يمكن أن تساعد وسائل الإعلام العربية كثيرا في تحديد أولويات وتفضيلات الجمهور، بكل شرائحه.. النساء والرجال، كبار السن والشباب، سواء فيما يتعلق بالقضايا التي ينبغي الاهتمام بها أو طبيعة التغطيات أو أقصر الطرق للوصول والتواصل الفعال؟
تستطيع «الميديا» العربية أن تقوم بهذه الاستطلاعات بنفسها أو عبر وكالات متخصصة. لكن للأسف ليس ثمة شعبية كبيرة لاستطلاعات الرأي في عالمنا العربي، حتى عندما يتعلق الأمر بصناعة تلعب أراء الناس، فيها دوراً مهما للغاية.. يؤدي ذلك إلى استمرار سياسة التخمين فيما يتعلق بنوايا وضمير قلب الجمهور. 
«الميديا» الغربية على النقيض من ذلك تماما. إنها تعتبر استطلاع الرأي سلاحاً أساسياً تلجأ إليه لتطوير أدائها وإعادة تقييم نفسها لمعرفة أين تقف وإلى أين ينبغي أن تسير، بحيث لا تبقى كما لو كانت تعيش في غرفة مظلمة، لا تسمع سوى صدى صوتها. وهي ايضاً تعتبره خدمة صحفية مهمة يمكن للإعلام أن يحقق من خلالها خبطات مهمة. وتقوم بهذا الدور وكالات وهيئات محترفة تلجأ إليها في العادة مختلف المؤسسات والشركات بل وحتى الحكومات أحياناً، لأن الكائن الهائل الغامض المعروف باسم «الرأي العام»، مهم جداً قياسه وتحديد توجهاته.  وقد قام معهد «رويترز» مؤخراً باستطلاع مهم للغاية للتعرف على توجهات الجمهور بشأن الأخبار.
تدحض النتائج بعض ظنون صناع الإعلام التي ترددت في أروقة منتدى الإعلام العربي الأسبوع الماضي. فهناك من يعتقد مثلاً أن الجمهور لم يعد يحب الأخبار ولا الإعلام التقليدي وأنه وقع في غواية «السوشيال ميديا»، بما تقدمه له من مقاطع فيديو جذابة مع مواد يغلب عليها الترفيه لأقصى حد. وجدت الدراسة النوعية أنه «لا يوجد دليل» على أن الشباب أقل اهتماماً بالأخبار من كبار السن.
لكن البحث أكد أن القراء الأصغر سناً يتفاعلون مع الأخبار، وخاصة عبر المنصات التقليدية، بشكل مختلف عن المستهلكين الأكبر سناً.
وبدلاً من البحث عن الأخبار على موقع إلكتروني بعينه أو محطة تلفزيون محددة، وجدت الدراسة أن الشباب يتعاطون مع الإخبار بطريقة «الشوربة». 
بمعنى أنهم لا يتابعون الأخبار في مصادرها الأساسية بالطريقة التقليدية. بل ما يحدث هو أنهم يتابعون ما يهمهم من الأخبار التي تصلهم روابطها من الأصدقاء والمعارف على تطبيقات، مثل «واتساب» و«فيسبوك» و«تويتر»..