حذر بحث جديد من أن عائلة غامضة من الفيروسات، المتوطنة بالفعل في القردة الأفريقية البرية، «مهيأة لانتشارها» بين صفوف البشر. 
وقال البحث، الذي أعد في «جامعة كولورادو بولدر» الأميركية ونُشر على الإنترنت في 30 سبتمبر في مجلة Cell، إن تلك الفيروسات تسبب أعراضًا قاتلة شبيهة بمرض الإيبولا لدى بعض القردة. 

الفيروسات الشريانية
ورغم أن مثل هذه الفيروسات الشريانية تعتبر بالفعل تهديدًا خطيرًا لقردة «المكاك»، فإنه لم يبلغ عن أي إصابات بشرية حتى الآن. ولا يعرف بعد ما هو تأثير تلك الفيروسات على البشر في حال انتقلت إليهم.
لكن مؤلفي الدراسة، الذين يستحضرون التشابه مع فيروس نقص المناعة البشرية (الذي نشأ في الأصل في القردة الأفريقية)، يدعون إلى توخي اليقظة مع ذلك: فمن خلال مراقبة الفيروسات الشريانية الآن، في كل من الحيوانات والبشر، يمكن لمجتمع الصحة العالمي تجنب جائحة أخرى.

الهروب من بعض آليات المناعة
وقالت كبيرة الباحثين سارة سوير، بروفيسورة علم الأحياء الجزيئي والخلوي والتنموي «اكتشف هذا الفيروس الحيواني كيفية الوصول إلى الخلايا البشرية، ومضاعفة نفسه، والهروب من بعض آليات المناعة المهمة التي نتوقعها لحمايتنا من فيروس حيواني. وهذا نادر جدًا»، مضيفة «يجب أن ننتبه له».
هناك الآلاف من الفيروسات الفريدة المنتشرة بين الحيوانات في جميع أنحاء العالم، ومعظمها لا يسبب أي أعراض. في العقود الأخيرة، انتقلت أعداد متزايدة منها إلى البشر، وأحدثت فسادًا في أجهزة المناعة التي لا تملك أي خبرة في مكافحتها: ويشمل ذلك متلازمة الشرق الأوسط التنفسية (MERS) في عام 2012، والمتلازمة التنفسية الحادة الوخيمة التاجية (SARS-CoV) في عام 2003، وسارس-كوف-2 SARS-CoV-2 (الفيروس المسبب لمرض كوفيد-19) في عام 2020.
لمدة 15 عامًا، استخدم مختبر سوير تقنيات معملية وعينات أنسجة من الحياة البرية من جميع أنحاء العالم لاكتشاف الفيروسات الحيوانية التي قد تكون عرضة للانتقال إلى البشر.
وقد ركزت الدراسة الأخيرة على الفيروسات الشريانية الشائعة بين الخنازير والخيول ولكنها لم تُدرس جيدًا بين القردة. لقد نظروا على وجه التحديد في فيروس حمى القردة النزفية (SHFV)، الذي يسبب مرضًا مميتًا شبيهًا بمرض فيروس الإيبولا وقد تسبب في تفشي قاتل في مستعمرات قردة «المكاك» الأسيرة التي يعود تاريخها إلى الستينيات من القرن الماضي.

فيروس يشبه الأيدز
توضح الدراسة أن الجزيء أو المستقبل، المسمى CD163، يلعب دورًا رئيسيًا في بيولوجيا الفيروسات الشريانية الخاصة بالقردة، مما يمكّن الفيروس من غزو الخلايا المستهدفة وإحداث عدوى بها. من خلال سلسلة من التجارب المعملية، دُهش الباحثون عندما اكتشفوا أن الفيروس كان أيضًا بارعًا بشكل ملحوظ في الإمساك بالنسخة البشرية من جزيء CD163، والدخول إلى الخلايا البشرية وصنع نسخ منه بسرعة.
مثل فيروس نقص المناعة البشرية (HIV) وسلفه من فيروس نقص المناعة لدى القردة (SIV) يبدو أيضًا أن الفيروسات الشريانية لدى القردة تهاجم الخلايا المناعية وتعطل آليات الدفاع الرئيسية وتثبت في الجسم على المدى الطويل.
قال كودي وارن الأستاذ المساعد في كلية الطب البيطري في جامعة ولاية أوهايو، والمؤلف الأول للدراسة «أوجه التشابه عميقة بين هذا الفيروس وفيروسات القردة التي أدت إلى انتشار جائحة فيروس نقص المناعة البشرية (الأيدز)».

تنبيه المجتمع الصحي العالمي
يؤكد  المؤلفون أن وباءً آخر ليس وشيكًا، ولا داعي للقلق من الجمهور. لكنهم اقترحوا أن يمنح المجتمع الصحي العالمي الأولوية لمزيد من الدراسة للفيروسات الشريانية الخاصة بالقردة ويطور اختبارات الأجسام المضادة لها في الدم، ويفكر في مراقبة التجمعات البشرية التي توجد على اتصال وثيق مع تلك الحيوانات الناقلة.
وتحمل مجموعة واسعة من القردة الأفريقية بالفعل كميات كبيرة من الفيروسات الشريانية المتنوعة، غالبًا من دون أعراض، وتتفاعل بعض الأنواع من القردة، بشكل متكرر، مع البشر. ومن المعروف أنها تعض وخدش الناس، ما يعني احتمال انتقال تلك الفيروسات يوما ما إلى البشر.
وقال وارن «كوننا لم نشخص عدوى فيروس الشرايين حتى الآن لدى البشر لا يعني أنه لم يتعرض أي إنسان لذلك الفيروس. فنحن لم نكن نبحث عن مثل تلك الإصابات».
من أمثلة ذلك، لاحظ وارن وسوير أنه في السبعينيات من القرن الماضي لم يسمع أحد عن فيروس نقص المناعة البشرية (الأيدز). ويعرف الباحثون، اليوم، أن من المحتمل أن يكون فيروس نقص المناعة البشرية من قد نشأ من فيروس نقص المناعة لدى القردة الذي أصاب القردة في أفريقيا. ومن المحتمل أن يكون قد انتقل إلى البشر، في وقت ما، في أوائل القرن العشرين.
وقالت سوير إنه لا يوجد ما يثبت أن هذه الفيروسات الشريانية الخاصة بالقردة ستنتقل إلى البشر. لكن هناك شيء واحد مؤكد: المزيد من الفيروسات ستنتقل من الحيوانات إلى البشر وستسبب أمراضا.
وأضافت «كوفيد هو مجرد أحدث حلقة في سلسلة طويلة من الأحداث في نقل الفيروسات من الحيوانات إلى البشر، والتي تحول بعضها إلى كوارث عالمية»، متمنية «أملنا هو أنه من خلال زيادة الوعي بالفيروسات التي يجب أن نبحث عنها، يمكننا المضي قدمًا في ذلك حتى إذا بدأت الإصابات البشرية بالحدوث، نتعامل معها بسرعة».