أحمد شعبان (القاهرة)

ابتكر قدماء المصريين «ورق البردي»، وسجلوا عليه الأحداث ودونوا الوثائق، فحفظ لنا ثروة هائلة من المعارف والعلوم التي توصل إليها المصريون القدماء، مثل الطب والتحنيط، والتقويم والحساب والهندسة، وغيرها.
فقد كان المصريون القدماء يتعاملون مع البيئة بمنتهى الإيجابية، كما أوضح الباحث في علم المصريات الدكتور بسام الشماع، فاستخدموا العلوم النباتية، ودرسوا «البوص» الذي له علاقة بنهر النيل، والنباتات والزهور التي تنمو بشكل طبيعي، وورق البردي الذي لم يكن سهلاً على أي مصري من القدماء أن يقتنيه، لأنه كان باهظ الثمن. ويصف عالم المصريات خلال حديثه لـ«الاتحاد الأسبوعي» ورق البردي الذي عاش لأكثر من 5 آلاف عام واحتفظ بخصائصه بـ «الورقة العبقرية» التي تحمل عبق الحقبة التاريخية بكل ما تحمله من أحداث وأساطير واختراعات. 
ولفت إلى أن سيقان نبات البردي تتميز بالطول ولها شكل مثلث، وتقول بعض الآراء القديمة إن من أسباب تصميم المثلث في تشييد الهرم، له علاقته بشكل البردي الذي أصبح من النباتات المُقدسة عند المصري القديم، وعلاقته بأشعة الشمس التي تنزل من السماء على هيئة مثلث.
وأشار الشماع إلى أن المصري القديم لم يستخدم نبات البردي فقط في صناعة الورق، بل صنع منه السلال والنعال والأدوية، فقد وجد أن قشرته الداخلية البيضاء تحتوي على نسبة كبيرة من السوائل، فقام بتقطيعه إلى شرائح وتخلص من السائل حتى أصبحت ورقاً جاهزاً للكتابة.

تاريخ استخدامه
وحول تاريخ بداية استخدام ورق البردي، قال الشماع، إنه في الأسرة الأولى منذ 5200 عام تم اكتشاف لفافة صغيرة منه في مقبرة لشخصية مهمة في البلاط الملكي اسمه «حم- كا»، وفي عام 2013 تم الإعلان عن أهم اكتشاف أثري في القرن الحادي والعشرين، وهي ورقة بردي كبيرة في حالة سيئة، تم اكتشافها بطريق السويس بمنطقة «وادي الجرف»، وهو ميناء مصري قديم على البحر الأحمر، وهي أول وأقدم بردية مكتوبة في التاريخ وتعود إلى الأسرة الرابعة منذ 4500 عام. 
وأشار عالم المصريات إلى أن العلماء عملوا على فك رموز هذه البردية ووجدوا أن الكتابات الباقية عليها كانت الأهم في القرن الـ 21، وهي واحدة من أهم 5 برديات في العالم، مكتوب بها حوليات ويوميات وتفاصيل لم تذكر من قبل عن عمال هرم الملك خوفو، وهو أكثر الأسماء غموضاً في التاريخ المصري. 
وذكرت بردية وادي الجرف بوضوح اسم الملك خوفو داخل الخرطوش الملكي، وهذه أول مرة تذكر بردية العلاقة بين العمال والهرم، كما ذكرت يوميات «مِرر» المشرف على عمال بناء هرم خوفو، أثناء ذهابهم بالمركب إلى شرق النيل لإحضار أحجار من محاجر طره لبناء الكساء الخارجي للهرم.

القراموص
تعد قرية القراموص بمحافظة الشرقية «شمال شرق القاهرة»، من أقدم القرى التي تشتهر بزراعة وصناعة أوراق البردي في العالم، حيث تزرع هذا النبات وتصنعه وترسم على أوراقه الأشكال الفرعونية وتصدره للخارج، وكانت البداية العام 1977، عندما قام الدكتور أنس مصطفى، الأستاذ بكلية الفنون الجميلة، ومن أبناء القرية، بإدخال عيدان البردي لأول مرة في بلدته، وبدأ يدرب الأهالي على كيفية تصنيع الورق وتحويله من منتج زراعي إلى صناعة يدوية.

أهم البرديات
حول أهم البرديات التي اكتشفت في مصر، يقول علم المصريات الدكتور بسام الشماع: هي تلك التي تتعلق بالطب، مثل: بردية إدوين سميث وسميت على اسم التاجر الذي اشتراها في العام 1862، وتعد أقدم وصفة جراحية عن الإصابات، وأول وثيقة طبية تصف سرطان الثدي، ويعود تاريخها إلى الأسرتين 16 - 17 حوالي 1600 سنة قبل الميلاد، بالإضافة إلى بردية أناستازي، وبردية الربسيون، وهو اسم لمعبد فرعوني، وبردية إبيرس، وهي من أهم البرديات التي يدرسها العالم. 
وأكد أن هناك الكثير من البرديات لم تكتشف حتى الآن، معرباً عن أمله في اكتشاف بردية تتضمن طريقة بناء الهرم الذي ما زال لغزاً حتى الآن، مطالباً بالبحث بجانب مقبرة مهندس الهرم بالجيزة، ويتوقع أن يكون قد رسم أكثر من بردية للمشرفين على العمال.