شعبان بلال (القاهرة) 

لوحات فنية طبيعية بديعة، تجسد التراث والثقافة، منحوتة من التضاريس في الصحراء بفعل عوامل التعرية على مر الزمان، تتغير مع الشمس شروقاً وغروباً، ومع حركة الغيوم التي تضفي عليها ملامح مختلفة.
إنها صحراء العُلا التي تسعى المملكة العربية السعودية من خلال مشروع «وادي الفن» إلى تحويلها وجهة للتراث العالمي، بإضفاء اللمسات عليها عن طريق بعض كبار الفنانين العالميين. ويستهدف المشروع جعلها وجهة فنية دولية، مستغلة طبيعتها التي تتميز بمقابرها الصخرية الشبيهة بالبتراء الأردنية، وتمتلك مواقع مدرجة على قائمة التراث العالمي لليونسكو.

يُعتبر مشروع «وادي الفن» جزءاً ضمن حملة وطنية لتحويل المملكة إلى مركز ثقافي ووجهة سياحية، عبر مخطط «رحلة عبر الزمن» الذي أطلقه صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز ولي العهد السعودي، في أبريل 2021، لجعل المنطقة وجهةً عالميةً رائدةً للفنون والتراث والثقافة والطبيعة، تحقيقاً لمستهدفات رؤية المملكة 2030. 
ويعتمد المشروع على «فن الأرض»، وهو أسلوب يهدف إلى لفت الانتباه للبيئة وأهمية الحفاظ عليها، حيث ظهر في الولايات المتحدة الأميركية أواخر ستينيات القرن الماضي، ويسعى إلى عدم إقامة الأعمال الفنية في المتاحف والمعارض المغلقة، وعرضها في متاحف ومعارض مفتوحة في قلب الطبيعة.
ويشارك فنانون وفنانات سعوديون، وآخرون عالميون من رواد «فن الأرض» في المشروع، منهم منال الضويان، أحمد ماطر، أجنيس دينيس، مايكل هايزر، وجيمس توريل، بأعمال متنوعة مستمدة من طبيعة العُلا الفريدة، مثل الذاكرة الجماعية والفولكلور والحضارة والضوء، حسب ما ذكرت الهيئة الملكية لمحافظة العُلا. 

أعمال مذهلة 
ويتوقع فنانون تنوع الأعمال في مشروع «وادي الفن»، ما بين غرف ملونة تحتوي أسقفها على أشكال هندسية تسمح للزوار بالنظر إلى السماء المفتوحة، وأخرى موازية للصخور الضخمة في مواقع تبدو غير مستقرة. ويترقبون إنشاء منحوتات ضخمة لأعمال الحفر، ومدن فنية مبنية من الطوب وتزيين جدرانها بلوحات ونصوص من المجتمع المحلي. 
وقالت المدير التنفيذي للإدارة العامة للفنون والصناعات الإبداعية في الهيئة الملكية لمحافظة العُلا نورا الدبل، إن «وادي الفن» مشروع عالمي رائد يعزز مكانة العُلا في الاهتمام بالتراث والفنون، ويستقطب عشاق الفن من مختلف أنحاء العالم، ويسهم في تعزيز الإبداع في المحافظة، ويقدم تجاربَ استثنائيةً لأهالي المنطقة وزوارها. 
وأشارت الدبل إلى مواصلة العمل على تعزيز الإرث الفريد للعُلا، الذي سيكون له دور كبير في تحقيق الرؤية المستقبلية الهادفة إلى بناء اقتصاد ثقافي.

ويتضمن البرنامج الأولي الذي يقام أواخر العام الجاري ويسبق افتتاح «وادي الفن» عام 2024، معارض ومقرات للفنانين وندوات عامة، ويصاحب ذلك الكشف عن الأعمال الفنية الـ 5 لأول برنامج حيوي للزوار يشمل العروض والجولات عبر الوادي. 

مدينة تاريخية
وتحتوي مدينة العُلا التاريخية، التي تقع على مساحة 500 كيلومتر مربع، على موقع الحجر الأثري، أول موقع أثري سعودي يسجَّل ضمن قائمة التراث العالمي. وأصبحت إحدى الوجهات السياحية الجديدة التي سلِّطت عليها الأضواء خلال السنوات الأخيرة لما تحتويه من إرث تاريخي عظيم، وطبيعة جبلية ساحرة، وطقس مثالي لاسيما في فصل الشتاء. 
ومثلت العُلا نقطة التقاء بين حضارات الشرق الأدنى وحاضرة التجارة القديمة، لوقوعها في ذلك الوقت على طريق البن والبخور والتوابل. وهي تقع على بعد 300 كيلومتر شمالي المدينة المنورة، إضافة لقربها من حدود الشام، ومما عزز تلك المكانة، قطار الحجاز الأثري لربط الشام بمكة، والذي انطلقت أولى رحلاته عام 1907.

صخرة ضخمة
وفق إحصائيات الهيئة العامة للسياحة والآثار في المملكة العربية السعودية، فإن مدينة العُلا التاريخية تشتهر بعدة أماكن متميزة يحرص السياح على زياراتها، ويقصدها سنوياً ما لا يقل عن 30 ألف سائح من داخل المملكة وخارجها. 
ومن التحف الفنية الطبيعية التي تحتويها العُلا صخرة جبل الفيل، على بعد 7 كيلومترات شرقي المحافظة، وهي صخرة ضخمة يبلغ ارتفاعها 50 متراً، تتميز بشكلها الفريد الذي يشبه الفيل، وتحوط بها الجبال ذات الألوان الفاتحة.