استغرقت مؤسسات علمية مؤثرة وقتًا طويلاً لتعترف بأن فيروس كورونا المستجد محمول جواً بشكل أساسي، ما كان له أثر في زيادة أعداد الإصابات والوفيات جراء الوباء، بحسب تقرير جديد. فبينما كان فيروس سارس-كوف-2 يصيب الأشخاص بشكل غير مرئي في عام 2020 من خلال الهواء في المستشفيات وأماكن العمل والمطاعم ووسائل النقل العمومي، كان الناس في جميع أنحاء العالم يركزون على تطهير الأسطح وغسل أيديهم. قال جوزيه لويس خيمينيز، المؤلف الرئيسي لتقييم تاريخي شامل جديد للأخطاء الطبية الكبرى في مجال انتقال الأمراض، والذي نُشر الآن في مجلة "Indoor Air"، إن العديد من الحكومات والشركات ركبت حواجز زجاجية أدت إلى زيادة انتشار فيروس كورونا. وأضاف خيمينيز، الزميل في المعهد التعاوني لبحوث العلوم البيئية (CIRES)، وهو مؤسسة أميركية عامة للبحث، وأستاذ الكيمياء المتميز في جامعة كولورادو بولدر في الولايات المتحدة "ربما كان لدينا وفيات أقل بالملايين وإصابات أقل بمئات الملايين، لو كنا اتخذنا إجراءات مناسبة وفعالة (ضد كورونا) منذ البداية". يوضح التقرير، المكتوب مع زملاء من 10 دول، التأثير المميت غالبًا لـ "التمسك بالمعتقد"، حيث قد يستغرق الأمر سنوات أو عقودًا لتحدي مجموعة من المعتقدات، خاصةً عندما يكون تغيير مجموعة من المعتقدات السائدة أمرا مكلفا. في مثل حالة فيروس كورونا، فإن مطالبة الناس بغسل اليدين أو تطهير الأسطح أقل تكلفة من تحديث نظام التهوية، على سبيل المثال، أو إعادة هندسة الفصول الدراسية وحافلات النقل داخل المدن وقاعات الاجتماعات. أورد مؤلفو التقرير، الذين يضمون أطباء وعلماء فيروسات وأخصائيي صحة عامة وعلماء الهباء الجوي ومهندسين ومؤرخين وعالم اجتماع ومهندس معماري، أمثلة عديدة للأخطاء القاتلة في تاريخ البحث عن الأمراض المعدية. في عام 1847، على سبيل المثال، أظهر عالم يعمل في النمسا أن غسل اليدين من قبل الأطباء يقلل من حمى النفاس (حمى ما بعد الولادة) القاتلة في العيادة. رفض عمله لأن المعتقدات الطبية والعلمية، في ذلك الوقت، كانت تلقي باللوم على أمور أخرى. لم يكن لغسل اليدين أي معنى بالنسبة للمؤسسة الطبية آنذاك. كما أن الإيحاء بأن الأطباء أنفسهم ربما ينشرون المرض أساء للكثيرين. بعد نصف قرن، سخر باحث بارز آخر، تشارلز تشابين، من فكرة وجود أجسام مخيفة أو هواء ملوث. كان عمل تشابين الخاص حول العدوى قد اقترح أن "العدوى التلامسية" هي الطريقة السائدة لانتشار العدوى. لكنه كان يعلم أيضًا مدى صعوبة إقناع الناس بغسل أيديهم وتطهير الأسطح إذا اعتقدوا أن بعض الأمراض قد تنتشر عبر الهواء، ومدى صعوبة معرفة كيفية تنظيف الهواء نفسه. لذلك، جادل في نظرية "عدوى الاتصال" دون دليل وتمكن من تصنيف انتقال الأمراض المنقولة جواً بأنه خرافة. تتبع خيمينيز وزملاؤه تاريخ انتقال المرض منذ عهد الباحث تشابين حتى عام 2020، عندما أعربت منظمة الصحة العالمية ومراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها في الولايات المتحدة ومؤسسات أخرى عن شكوكها العميقة أو إنكارها التام لاحتمال انتشار فيروس كورونا عبر الهواء، على الرغم من الأدلة المتزايدة على ذلك. قال خمينيز إنه يعتقد أن معظم الأشخاص في منظمة الصحة العالمية ومراكز مكافحة الأمراض والوقاية منها كانوا صادقين في شكوكهم في أوائل عام 2020. وأوضح خيمينيز "لقد تمسكوا بالنظرية، وشوّهوا تفسير الملاحظات (التي تشير إلى انتقال المرض عبر الهواء) لتتناسب مع معتقداتهم السابقة". اقترح آخرون أن الاقتصاد كان له دور أيضًا في رفض النظرية القائلة بانتقال الفيروس عن طريق الجو. وأشار خيمينيز إلى أنه من الملائم أن تطلب من الأفراد اتخاذ إجراءات فردية صغيرة مثل غسل اليدين. لأن إجراء تغييرات هيكلية سيكون أكثر تكلفة بالنسبة للمؤسسات، مثل زيادة التهوية في الأماكن العامة. لذا، استعدادًا لمواجهة الجائحة التالية بذكاء، يعمل خمينيز وزملاؤه أولاً على إيجاد حلفاء، لا سيما في المهن الطبية والصحية العامة التي يعمل فيها الكثير من الناس على إنقاذ الأرواح لدرجة لا تسمح لهم بالدخول في نقاش حول انتقال المرض، ولكن لديهم تجربة مباشرة. وأضاف خيمينيز أن "المواجهة ضرورية عندما ترفض المؤسسات الكبرى قبول العلم وتوصيله بوضوح"، مضيفا "ربما يتعين علينا إزعاج المؤسسة قليلاً، مثلما فعلت فلورنس نايتنجيل". مارست نايتنجيل (1820 - 1910 م)، التي تلقب بـ"رائدة التمريض الحديث"، "ضغوطًا" على الحكومة البريطانية لعقود من الزمن لدعم إصلاحاتها في المستشفيات، وزيادة النظافة والتهوية والمسافة بين الأسِرّة في وقت كان لا يزال يُنظر إلى كل ذلك على أنه غير ضروري.