أتلانتا (الاتحاد)
يتمتع الإعلام الأميركي بحرية كبيرة يحسده عليها كثيرون، لكن أحيانا تصبح هذه الحرية مشكلة، يطالب بعضهم بضرورة ترشيدها وتنظيمها أو تحويل توجهاتها. يحدث ذلك عندما تتغير ملكية المؤسسات، وهو ما يحدث كثيرا بحكم قوانين السوق الحر، لذلك يجد الصحفيون أنفسهم دوما في مهب الريح مع كل إدارة جديدة تتولى المسؤولية عقب صفقات الاستحواذ.
محطة سي إن إن الشهيرة تمر بهذه المرحلة الآن.. كأنها تواجه أزمة منتصف العمر. والصحفيون اللامعون فيها، يتحسسون رؤوسهم. فالإدارة الجديدة التي تولت مقاليد الأمور منذ أشهر قليلة، تريد دماء جديدة، وصحفيين إخباريين، لا صحفيين أصحاب رأي أو لهم توجهات سياسية معينة.
أول الضحايا في القناة هو المذيع الشهير بريان ستيلتر الذي يقدم منذ سنين طويلة البرنامج الناجح جداً «مصادر مطلعة». قدم ستيلتر الأسبوع قبل الماضي الحلقة الأخيرة من برنامجه المتخصص في قضايا الإعلام.
وقال في كلمة مؤثرة، بدت وكأنها رسالته الأخيرة إلى جمهوره عبر «سي إن إن»: «الدفاع عن اللياقة والديمقراطية والحوار ليس تحزبا سياسيا.. كذلك الوقوف في وجه الديماغوجيين ليس تحيزاً حزبياً... إنه ضرورة وطنية.» وأضاف فيما يشبه التوبيخ للرؤساء الجدد للمحطة: «يجب أن نتأكد من أننا لا نعطي منصة لأولئك الذين يكذبون صراحة في وجوهنا».
وأكد أن دور وسائل الإعلام هو محاسبة السلطة. ومع تلميح ترامب إلى ترشح رئاسي آخر في عام 2024، ناشد ستيلتر رؤساءه الذين أقالوه للتو أن يظلوا حازمين. وقال: «يجب أن تكون CNN قوية. أعتقد أن أميركا بحاجة إلى أن تكون CNN قوية».
وأبدى ستيلتر، أصلع الرأس، دهشته من نجاحه في أن يصبح نجما تلفزيونيا. وقال: «لم أكن أعتقد أبدا أنني سأكون في الواقع على شاشة التلفزيون.. لقد أحببت الكتابة عن التلفزيون.. كنت اعتقد أنه ليس لدي ما يكفي من الشعر لأكون على شاشة التلفزيون».
وألغت إدارة الشبكة البرنامج من خريطة البث، بدعوى أنه متحيز سياسياً، وأن لديه أجندة خاصة، قائلة إنها تسستهدف في المرحلة المقبلة تقديم «أصوات أكثر حيادية» في تغطياتها. وقد كان ستيلتر أحد أشد منتقدي الرئيس السابق دونالد ترامب وسياساته.
وبحسب صحيفة الجارديان، فإن أصابع الاتهام تشير إلى جون مالون، وهو شخصية نافذة في المؤسسة المالكة الجديدة، الذي قاد الاتهام بأن CNN متحيزة حزبياً.
وانتقد مالون الشبكة لبثها الكثير من التعليقات والآراء، على حساب الأخبار والتقارير ذات الصلة بأرض الواقع. وفي نوفمبر الماضي، قال مالون لشبكة «سي إن بي سي» إنه يود أن يرى «سي إن إن» «تتطور مرة أخرى إلى نوع الصحافة التي بدأت بها، وأن يكون لديها بالفعل صحفيون حقيقيون».
وركزت تكهنات أخرى على راتب ستيلتر الذي يقال إنه يبلغ حوالي مليون دولار سنويا - وسط ضغوط مكثفة لخفض ميزانية الشبكة نظرا للديون الثقيلة.
وقبل أسبوع من إقالة ستيلتر، أعلن كبير المحللين القانونيين في «سي إن إن» لمدة 20 عاماً، جيفري توبين، أنه سيغادر. وانتشرت التكهنات عبر وسائل التواصل الاجتماعي بأن دون ليمون وجيم أكوستا، وهما من أكثر المذيعين صراحة، قد يكونان عرضة للخطر، ولكن وفقا لموقع الأخبار الترفيهية Wrap، فإنهما آمنان في الوقت الحالي.