لكبيرة التونسي (أبوظبي)

القهوة العربية رفيقة المجالس، موروث متجذِّر وإرث ثقافي عريق ارتبط بحسن الضيافة والكرم وأصالة العادات والتقاليد. شكَّلت جزءاً من الذاكرة الجمعية لأهل الإمارات، رافقت مجالسهم، وحضرت في مختلف المناسبات وفي حلهم وترحالهم، حتى تغنى بها الشعراء وكُتبت فيها أجمل الكلمات.
تحظى القهوة العربية بمكانة بارزة عند أهل الإمارات، حيث يتشارك الجميع في تناولها وفق طقوس «السنع»، فتقديم القليل منها إلى الضيوف دليل معزة، أما تقديم الكثير منها يعني الاستعجال في رحيلهم. ارتبطت بالسعادة، وقبول فنجان منها دليل على التسامح والتصالح بين المتخاصمين وإقرار بتلبية المَطالب، فيما المغادرة من دون شربها يعني أن موضوع الخلاف لا يزال قائماً. 

ولتقديم القهوة وشربها آداب خاصة، فمن يقوم بصبها، يجب أن يحمل الدلة بيده اليسرى مع توجيه الإبهام للأعلى وحمل الفنجان بيده اليمنى، وتنص الآداب على الضيف أن يتناول الفنجان ويعيده بيمناه.
بداية الضيافة تكون بتقديم ربع فنجان إلى الضيف الأهم أو الأكبر سناً في المجلس، ويمكن إعادة ملء الفنجان. والفنجان الثاني يقدَّم لثاني شخص على اليسار وهكذا حتى ينتهي الصف، وإذا اكتفى الشخص من كمية القهوة المقدمة، عليه أن يهز فنجانه في دلالة على أنه لا يرغب في المزيد. ومن الممارسات الشائعة تناول فنجان واحد على الأقل وألا يزيد عن ثلاثة. 

دلة ومحماس
يتميز إعداد القهوة العربية بأدوات خاصة من دلال وقدور وفناجين ومحماس، وما يُعرف بالسلة. وقديماً كان البدو يحفرون حفرة دائرية الشكل غير عميقة توضع فيها الدلة بعد إشعال الحطب، وذلك للحفاظ على القهوة ساخنة تقدم للحضور في كل حين. وفيما بعد عُرف ما يسمى بـ «الكوار» الذي يُبنى من الطين في إحدى زوايا المجلس ثم يلبَّس بالحصى ويبطَّن بصفائح من الحجر الأملس ليشكل موقداً، وبجانبه مكان مخصَّص لجلوس الشخص الذي يحضِّر القهوة، ومستودع صغير لتخزين الحطب يُسمى «بيت الحطب».
ولإعداد القهوة تقوم المرأة في البيت بفرز حبات البن، ثم غسلها وتجفيفها، استعداداً لتحميسها بوضع كمية في «التاوة» ومن ثم وضعها على النار وتحريكها بـ «المحماس»، وهو مقبض طويل رأسه على شكل هلال، حتى تميل إلى اللون البني إشارة إلى نضجها.

نجر الحجر
يوضح كتيب لدائرة الثقافة والسياحة بأبوظبي أن إعداد القهوة يتم وفق عدة مراحل، حيث توضع في المنجاز أو الهاون، لطحنها وتنعيمها. وقديماً كان يُستخدم لطحن البن «نجر الحجر»، وهو صخرة بسطح مربع واسع، وقاعدة صغيرة توضع بجانب «الكوار»، ويصاحب هذه العملية صوت جميل يتماهى مع رائحة خاصة تملأ المكان. يوضع البن بعد طحنه في «دلة» كبيرة، وتوضع القهوة في «الزمزمية»، وهي إناء من الفخار يحافظ على حرارتها وطعمها ولونها. 
وكما ورد في كتيب «الثقافة والسياحة» أن الموسوعة البريطانية تشير إلى أن كلمة coffee مشتقة من الكلمة العربية «قهوة»، وهي بدورها مشتقة من الإقهاء، لأنها تقهي أي تقلل شهية شاربها للطعام أو تذهب بها. وثمة رواية أخرى تُرجع هذه الكلمة إلى مقاطعة «كافا» في جنوب غربي إثيوبيا - الحبشة، باعتبارها الموطن الأصلي لشجرة البن، ومنها انتشرت إلى سيلان وسورينام وجاوا والبرازيل ومناطق أخرى من العالم. 

الموطن الأصلي
وترى بعض المراجع أن بلاد اليمن هي الموطن الأصلي لشجرة البن، ومن أوائل الدول التي زرعتها وصدرت ثمارها بدليل أنه يطلق على البن Arbika أي القهوة العربية، من أشهر أنواعه «الموكا»، وهو مسمى مشتق من ميناء «مخا» اليمني على البحر الأحمر. وقد اشتهر قديماً كميناء لتصدير البن، وتؤكد المنشورات أن زراعة البن قديماً تظهرها رسومات في بعض الأديرة باليمن، وتعود إلى القرن الخامس عشر، وأن اليمن استأثرت بهذه الزراعة حتى عام 1690 عندما جاء الاحتلال الهولندي ونقل زراعتها إلى أوروبا والبرازيل ومناطق أخرى من العالم. 
ويقال عن اكتشاف شجرة البن إنه جاء بالصدفة عندما لاحظ أحد رعاة الماعز نشاطاً في حركتها مع قلة النوم عندما تأكل من مراعي تنمو فيها هذه الشجرة.

اليونسكو
القهوة العربية رمز خالد، وفي إطار حرص دولة الإمارات ودول الخليج على التعريف بهذا التراث الأصيل تم إدراجها في القائمة التمثيلية للتراث الثقافي غير المادي للبشرية باليونسكو في ديسمبر 2015، عبر ملف دولي مشترك. وأصبحت القهوة العربية ضمن التراث الإنساني للشعوب.