واشنطن (الاتحاد)
هل صفحات الرأي مازالت مهمة؟ وهل هي الآن تحديداً ضرورية جداً في الصحافة الحديثة؟ وماذا سيحدث لو استغنينا عنها؟.. أسئلة خطيرة ومفاجئة أخذت إدارة أكبر مؤسسة مالكة لسلسلة ضخمة من الصحف الأميركية ، تطرحها على نفسها طوال الفترة الماضية، ثم فجأة قررت التخلص من مقالات الرأي، نعم حدث ذلك فعلاً، فاختفت صفحات الرأي من معظم الصحف المحلية التي تصدرها دار جانيت العملاقة في عموم الولايات المتحدة سواء كل أيام الأسبوع أو بعض أيام الأسبوع. ويبلغ إجمالي الصحف التابعة للمؤسسة نحو 250 صحيفة.
لذلك أثار القرار الغريب جدلاً كبيراً وتباينت الأراء بشأنه داخل المؤسسة وخارجها.
المدافعون عن الفكرة من داخل المؤسسة قالوا لقد قررنا التوقف عن إلقاء المحاضرات على القراء، ووفرنا جهد ووقت طاقم التحرير لقضايا أخرى أكثر أهمية، كما وفرنا تكاليف كان يتم دفعها مقابل مقالات الرأي وطباعة صفحاتها طوال معظم أيام الأسبوع.
قالوا أيضاً إنه في عصر السوشيال ميديا حيث صار للجميع أراؤهم ووجهات نظرهم بشأن كل شيء، وأصبح من السهل على الجميع الاطلاع على مختلف الأراء عبر المنصات الرقمية، سواء أكانت آراء عموم الناس أم الخبراء… لم يعد ثمة حاجة لصفحات متخصصة للرأي.
غير أن أصوات أخرى، خاصة من داخل المؤسسة نفسها، بدت معارضة تماماً للتوجه الجديد. هذه الأصوات تخشى العقاب إذا ما أعلنت صراحة أراءها المعارضة للقرار، فلجأت إلى التحدث بدون ذكر أسمائها. أحدهم مدير تحرير بارز في واحدة من الصحف التي تنشرها جانيت قال لموقع «بوينتر»، من دون ذكر اسمه ، إن الرأي مهم فعلاً.. الناس تحتاج إلى نموذج راق يجسد أمامهم كيف يمكن أن يكون الحوار المتحضر بين مختلف وجهات النظر في وقت تعج السوشيال ميديا بقدر هائل من الهراء».
ويشير كثيرون إلى أن أعمدة الرأي تلعب دوراً كبيراً في إثارة قضايا مجتمعية مهمة، تبث الحيوية في النقاش العام ، كما أن الافتتاحيات ومقالات الرأي الجيدة، تحظى بمتابعة كبيرة عبر المنصات الرقمية ويتفاعل معها كثير من القراء، بما يضمن للصحف مزيداً من الانتشار والذيوع والحضور الجماهيري الواسع.
المدهش أن الإدارة العليا للمؤسسة الصحفية البارزة لم تتشاور بشأن القرار مع كبار الصحفيين في الدار.. لم تأخذ أراءهم بعين الاعتبار، بل هي لم تطرح القضية عليهم لتسمع أراءهم. فقط صدر القراء من حيث لا يتوقع أحد.. من هنا كانت الصدمة، وهو ما يفسر إلى حد كبير الرفض الصامت في معظم قاعات التحرير بالصحف الصادرة عن الدار.
لكن في الحقيقة، يبدو أن جانيت لم تقرر فجأة أن تمضي قدماً في هذا الطريق. فقد تبين أنها أجرت أبحاثاً على السوق وعلى معدلات القراءة عبر منصاتها الرقمية وخلصت إلى أن مقالات الرأت وأعمدة الكتاب لم تعد مقروءة بالقدر الكافي ولم يعد أحد يحبها في عصر الاستقطاب السياسي الحاد خلال سنوات حكم الرئيس السابق دونالد ترامب، حيث اختلطت التغطيات الخبرية العادية بأراء الصحفيين القائمين عليها أو الصحف التي تنشرها.
وفي عام 2018 توصل كثير من رؤساء التحرير في صحف الدار إلى النتيجة نفسها بحسب تقرير لجنة تم تشكيلها لدراسة الأمر.. فصدر القرار، لكن التنفيذ بدأ متأخراً.. والبديل الآن هو مجموعات على منصات رقمية مثل الفيسبوك لإدارة الحوار بشأن القضايا المهمة، بشرط التزام القراء بأداب الحوار.