شعبان بلال (القاهرة) 

تقف حجارة المساجد صامدة أمام تقلبات الزمن لتحكي قصص وتاريخ العمارة الإسلامية، وما يتبعها من حكايات سياسية واجتماعية مر بها العالم الإسلامي خلال القرون الماضية، ورغم مرور مئات السنين تجذب عشرات المساجد بما تقدمه من إبداع في البناء والعمارة الملايين من كل أنحاء العالم حتى هذه اللحظة.

يقول الكاتب الصحفي والمؤلف المصري إيهاب الحضري في كتابه «حواديت المآذن.. التاريخ السري للحجارة»: الحضارة الإسلامية تركت على مدى القرون السابقة الكثير من الآثار التي أبرزت الجانب الجمالي والإبداعي في كثير من الفنون، كفن الزخرفة والخط العربي والعمارة، موضحاً أنه يمكن رؤية ذلك في كثير من المساجد والأوقاف الإسلامية، حيث يبدو جلياً أن المهندس المسلم اعتنى بإنجازاته بدقة وحرفية مطلقتين، وأنجز كل ذلك معتمداً على أسس علمية كانت بذوراً لعلوم هذا الزمان.
ومن المساجد التي ذكرها الكتاب في مصر، مسجد بن طولون، وجامع السلطان حسن، ومسجد قوصون، ومسجد بشتاك، وجامع المحمودية، وجامع الملكة صفية، ومسجد برقوق، أول المساجد الجركسية، وغيرها من المساجد في مختلف العالم الإسلامي.

تاريخ المساجد
المساجد أقدم العمائر الإسلامية لأنها مكان إقامة صلاة الجماعة، كما كان أول مسجد بني في الإسلام هو مسجد قباء، ثم مسجد الرسول بالمدينة، وكان تخطيط المساجد عامة في العصور الأولى يشبه مسجد الرسول، أي أنه يتكون من صحن مسقوف ويحيط به أربعة أروقة. 
وكانت المساجد تبنى من الطوب اللبن وجذوع النخيل، ثم تطور عمران وتخطيط المسجد بتطور الحضارة الإسلامية، وأضيف إليه السور والمئذنة وغيرها من العناصر المعمارية الخاصة بالمسجد، الذي يعود تاريخه لحظة ولادة الإسلام قبل 1400 سنة، حيث بدأ بناء المساجد على مساحة واسعة امتدت من إندونيسيا في الشرق، إلى إسبانيا وجنوب الصحراء الأفريقية في الغرب في فترة ما قبل الحداثة، وانتشر في جميع أنحاء العالم منذ ذلك الحين.

وأدى ذلك الامتداد إلى تنوع في أساليب تصميم المسجد، ومع ذلك، فإن جميع المساجد مرتبطة ببعضها البعض بصفتها أماكن تُقام فيها صلاة المسلمين وغيرها من الوظائف مثل إلقاء خطبة الجُمعة.

مميزات
من المعروف أن المساجد الأولى ذات الأروقة كانت لا تمكّن بعض المصلين من سماع الخطب ورؤية الإمام، ولا سيما إذا كان السقف محملاً على أكتاف كما في جامع بن طولون، بينما كان ذلك أيسر في نظام المدارس، حيث كان السلاطيين يشيدون مساجد على نظام المدارس في قلب المدينة بغرض الصلاة والتعليم، ومساجد بنظام الأروقة في أطراف المدينة بغرض الصلاة، ومن المدارس الجميلة في مصر مدرسة أو جامع السلطان حسن.

مسجد قباء
قال أستاذ التاريخ الإسلامي والحضارة الإسلامية بجامعتي عين شمس والكويت الدكتور سند عبد الفتاح: مع هجرة النبي محمد، صلى الله عليه وسلم، من مكة إلى المدينة كان أول شيء فعله هو بناء مسجد قباء ثم المسجد النبوي، موضحاً أن هذه العلامة جعلت المسلمين بعد وفاة النبي محمد، صلى الله عليه وسلم، يشيدون المساجد في حركة الفتوحات الإسلامية التي جرى خلالها فتح بلدان فلسطين والشام ومصر والعراق وبلاد فارس، وظهر ما يعرف بفقه البنيان، وهو إنشاء المسجد الجامع، وهو ما حدث بفتح مصر حينما تم إنشاء جامع عمرو بن العاص، وبعد ذلك تم إنشاء المساجد في البصرة والكوفة وبلاد الشام وغيرها. 
وأشار الدكتور سند إلى أن إنشاء المساجد كان بسيطاً في البداية يتم الاعتماد فيه على أوراق الشجر والنخيل، لكن بعد ذلك مع أواخر القرن الأول الهجري وتحديداً في عصر الخليفة الأموي الوليد بن عبد الملك أنشأ تحفة معمارية، وهو المسجد الأموي في مدينة دمشق، موضحاً أن هذه التحفة المعمارية شاهدة على عظمة هذا البناء حتى الآن.

وذكر أستاذ التاريخ الإسلامي، أن الوليد بن عبد الملك أوقف على بناء المسجد الأموي ما يقارب خراج الشام لمدة 7 سنوات، وقدر ما صُرف في بنائه وتشييده وزخرفته ما يعادل 50 صندوقاً من الذهب ليكون بهذا الجمال والرونق. 
وأشار إلى توالي إنشاء المساجد في العالم الإسلامي مثل مسجد العسكر وأحمد بن طولون الذي يعد أكبر المساجد الإسلامية من حيث المساحة وأنشئ على دعامات وليس أعمدة وله أساطير عديدة حول كيفية البناء، مضيفاً أن عمارة المساجد تطورت وظهر بناء الميضأة وهي أماكن الوضوء والنافورات، مؤكداً أنه ظهر ما يُعرف بالتباهي بالمساجد كتحفة معمارية.