توصلت دراسة أميركية جديدة إلى كشف علمي سيساهم في تطوير علاج ولقاحات ضد فيروس نقص المناعة البشرية (الأيدز)، المعروف أيضا اختصارا بـ"أتش آي في-1" (HIV-1). يُعرف هذا الفيروس بقدرته الفائقة على الإفلات من جهاز المناعة. الأمر الذي حال، حتى الآن، دون التوصل إلى علاج له. مؤخرا، اكتشف العلماء في معهد "سكريبس" للأبحاث (Scripps) بولاية كاليفورنيا الأميركية كيف أن نظام المناعة الفطري لدينا، وهو خط الدفاع الأول السريع للجسم في مواجهة الغزاة الأجانب، يكتشف فيروس HIV-1، حتى عندما يكون الفيروس موجوداً بكميات صغيرة جداً. كشفت النتائج، التي نُشرت يوم 8 يوليو 2022 في مجلة "Molecular Cell"، الاستراتيجية الجزيئية المكونة من خطوتين التي تحرك الاستجابة المناعية الفطرية إلى العمل عند التعرض لفيروس HIV-1. يمكن أن يؤثر هذا الاكتشاف على تطوير الأدوية لعلاجات ولقاحات ضد فيروس نقص المناعة البشرية، بالإضافة إلى تشكيل فهمنا للاستجابة المناعية الفطرية في مجالات أخرى، بما في ذلك الاضطرابات التنكسية العصبية مثل مرض الزهايمر. يقول الدكتور سوميت تشاندا، أستاذ في قسم علم المناعة وعلم الأحياء الدقيقة "يحدد هذا البحث كيف يمكن للجهاز المناعي التعرف على فيروس خفي للغاية، ثم تنشيط المناعة"، مضيفاً "من منظور علاجي محتمل، تفتح هذه النتائج آفاقاً جديدة للقاحات والمواد المساعدة التي تحاكي الاستجابة المناعية وتقدم حلولاً إضافية للوقاية من الإصابة بفيروس نقص المناعة البشرية". ينشط الجهاز المناعي الفطري قبل الجهاز المناعي المكتسب، وهو خط الدفاع الثانوي للجسم الذي يتضمن وظائف أكثر تخصصاً، مثل إنتاج الأجسام المضادة. تتمثل إحدى المسؤوليات الأساسية لجهاز المناعة الفطري في التعرف على البروتينات والمواد الجينية الخاصة بنا والعناصر الأجنبية (مثل الفيروسات أو مسببات الأمراض الأخرى). يوجد بروتين في جهاز المناعة الفطري يستشعر الحمض النووي العائم في الخلية. إذا اكتشف هذا البروتين، المعروف اختصاراً باسم (cGAS)، وجوداً أجنبياً، فإنه ينشط مساراً جزيئياً لمحاربة الجسم الغازي. ومع ذلك، نظراً لأن فيروس "أتش آي في-1" هو فيروس حمض نووي ريبوزي، فإنه ينتج القليل جداً من الحمض النووي لدرجة أن العلماء لم يفهموا كيف أن بروتين (cGAS) والجهاز المناعي الفطري قادران على اكتشافه وتمييزه عن الحمض النووي الخاص بنا. اكتشف باحثو معهد "سكريبس" أن الجهاز المناعي الفطري يتطلب فحصاً أمنياً من خطوتين حتى يتم تنشيطه ضد فيروس "أتش آي في-1" (HIV-1). تتعلق الخطوة الأولى ببروتين أساسي يتعرف على الغلاف الخارجي للفيروس بمجرد دخوله الخلية وقبل أن يتمكن من التكاثر. ثم يقوم هذا البروتين المعروف اختصاراً بالرمز (PQBP1) بتغطية الفيروس وتزيينه، ويعمل كإشارة تنبيه لاستدعاء بروتين (cGAS). بمجرد أن تبدأ القشرة الفيروسية في التفكك، ينشّط بروتين (cGAS) مسارات إضافية ذات صلة بالمناعة ضد الفيروس. تفاجأ الباحثون في البداية عندما اكتشفوا أن هناك خطوتين مطلوبتين للتنشيط المناعي الفطري ضد فيروس "أتش آي في-1"، حيث إن معظم فيروسات ترميز الحمض النووي الأخرى تنشّط بروتين (cGAS) في خطوة واحدة فقط. هذا مفهوم مشابه للتقنيات التي تستخدم المصادقة الثنائية، مثل مطالبة المستخدمين بإدخال كلمة مرور ثم الرد على بريد إلكتروني للتأكيد. تفتح هذه الآلية، المكونة من جزأين، أيضاً الباب أمام طرق التطعيم ضد الفيروس. تقول الدكتورة سيني يوه، المؤلف الأول للدراسة "بينما كان الجهاز المناعي المكتسب محور التركيز الرئيسي لأبحاث فيروس نقص المناعة البشرية وتطوير اللقاحات، فإن اكتشافاتنا تُظهر بوضوح الدور الحاسم الذي تلعبه الاستجابة المناعية الفطرية في اكتشاف الفيروس"، مؤكدة أن هذه العملية المكونة من خطوتين تتيح إمكانية "لتطوير استراتيجيات لقاح جديدة مساعدة ضد فيروس نقص المناعة البشرية-1". من خلال تسليط الضوء على عمل الجهاز المناعي الفطري، توضح نتائج هذه الدراسة أيضا كيفية استجابة أجسامنا للأمراض الالتهابية الأخرى التي تصيب المناعة الذاتية أو التنكس العصبي. على سبيل المثال، ثبت أن بروتين (PQBP1) يتفاعل مع بروتين "تاو"، البروتين الذي يصبح غير منظم في مرض الزهايمر. وسيستمر الباحثون في التحقيق في كيفية مشاركة الجهاز المناعي الفطري في ظهور المرض وتطوره، وكذلك كيفية التمييز بين الخلايا الذاتية والخلايا الأجنبية.