طه حسيب (أبوظبي)

تحفيز الأفراد على حماية البيئة هدف محوري تحرص عليه جوائز البيئة، فلم يعد الاهتمام بالكوكب ترفاً، الآن بات الحفاظ على توازنه الطبيعي وتنوعه البيولوجي محور اهتمام الساسة والعلماء والناشطين من خلال مبادرات فردية ملهمة. فالتغير المناخي وتداعياته وسبل مواجهته تدفع للمضي قدماً نحو اتجاه بدأ يبلور يوماً بعد يوم على الصعيد الدولي من خلال مؤتمرات وقمم المناخ، وعلى الصعيد الوطني أيضاً، حيث بدأت معظم دول العالم تطور سياساتها لتكون أكثر التزاماً بحماية البيئة، وأكثر جاهزية للتحول إلى الحياد الكربوني (صفر كربون)، أي أن يصبح ما تنتجه من انبعاثات يساوي ما يتم امتصاصه من كربون أوإعادة استخدامه وتخزينه بصورة لا تضر بالبيئة. 
التركيز على دور الفرد في حماية البيئة يتجلى بوضوح في جائزة جولدمان البيئية التي يسمونها «نوبل الخضراء»، أسسها ريتشارد ورودا جولدمان بمدينة سان فرانسيسكو في ولاية كاليفورنيا الأميركية عام 1989، لتسليط المزيد من الضوء على المشاكل البيئية وتأثيراتها، وشد انتباه الجمهور على الصعيد العالمي إلى ضرورة العمل في مجال حماية البيئة. ولدى ريتشارد جولدمان مؤسس الجائزة قناعة بأن «الأشخاص من خلفيات عادية يقومون بأشياء غير عادية لإنقاذ كوكبنا». ووفق هذا التصور، ومن خلال مكافأة الأفراد العاديين على إنجازاتهم البيئية البارزة، تسعى الجائزة إلى إلهام الآخرين للسير في الاتجاه ذاته.

جائزة جولدمان البيئية دشنت أولى دوراتها يوم 16 أبريل 1990، وكان يوم انطلاق نسختها الأولى، هو أيضاً عيد ميلاد مؤسسها السبعين.
تُمنح الجائزة للأفراد الذين بذلوا جهوداً متواصلة لحماية البيئة الطبيعية وتعزيزها، وغالباً ما يكون ذلك في مواجهة مخاطر شخصية كبيرة.

مستقبل أكثر استدامة
وتسعى الجائزة البالغة قيمتها 200 ألف دولار إلى تحفيز المرشحين من جميع قارات الأرض آسيا وأفريقيا وأوروبا وأميركا الشمالية وأميركا الجنوبية والدول الجُزرية، وتحرص على تنوع الفئات المرشحة من حيث العمر والجنس والعرق واللغة، على اعتبار أن جميعهم متحدون في التزامهم ببناء مستقبل أكثر استدامة وإنصافاً وتنوعاً بيولوجياً. وقدمت الجائزة منذ تأسيسها 28 مليون دولار للفائزين، وعددهم حتى الآن 213 فائزاً ينتمون إلى 93 بلداً، وتمكنت 95 سيدة من الفوز بالجائزة. 

معايير الترشح
غالباً ما يكون المرشحون، إما قادة في حملة شعبية ينتج عنها تأثير كبير على المستوى الإقليمي أو الوطني أو العالم، وأيضاً من يقدمون مصدرَ إلهام كبير لعلماء البيئة الآخرين أو للجمهور. وتولي الجائزة اهتماماً بالأفراد الذين سيساعدهم الحصول على الجائزة بشكل كبير في استكمال جهودهم الحالية في حماية البيئة. والعنصر المرجح للفوز يكمن في الإنجازات الأخيرة التي عززت البيئة، وتكون الأولوية للأفراد على المديرين التنفيذيين للمنظمات غير الحكومية الكبيرة. ويستطيع موظفو الحكومة الترشح عندما تكون الأعمال التي قدموها تندرج خارج نطاق مسؤولياتهم الرسمية. 
النسخة رقم 33 من جائزة جولدمان للبيئة قد تم بث فعالياتها ضمن حفل افتراضي يوم 25 مايو الماضي.

  • جين فوندا

وقدمت فعالياتها الممثلة الأميركية الشهيرة والناشطة البيئية جين فوندا، التي حصدت جوائز عدة، من بينها جائزتا أوسكار، وجائزتا بافتا، وسبع جوائز جولدن جلوب، وجائزة إيمي برايم تايم، وجائزة معهد الفيلم الأميركي، وجائزة الأسد الذهبي الفخرية. في عام 2019، انتقلت جين فوندا إلى واشنطن العاصمة وأسست حركتها الشعبية لتغير المناخ، المسماه بـ (Fire Drill Fridays)، ففي كل يوم جمعة، كانت تستضيف فعاليات بمقر الكونجرس الكابيتول هيل، تطالب القادة السياسيين باتخاذ إجراءات لمواجهة حالة الطوارئ المناخية التي نحن فيها. ركزت كل أسبوع على جانب مختلف من أزمة المناخ وما يجب القيام به للمضي قدماً.التحرك من أجل المناخ يتطلب سرعة كتلك التي يتحرك بها الإطفائيون لإخماد حريق في منزل، وهذا ما تحمله دلالات عبارة أطلقتها ناشطة المناخ السويدية «جريتا ثونبرج»: (هذه أزمة. علينا أن نتصرف وكأن منزلنا يحترق؛ لأنه كذلك). جين جودال.. الأسطورة كانت المتحدثة الرئيسية في حفل توزيع الجوائز الدكتورة جين جودال، وهي أشهر دعاة الحفاظ على الحياة البرية في العالم، وأمضت عقوداً في دراسة سلوك الشمبانزي، ولديها قناعة بأن «هناك سراً للتغيير الحقيقي: عندما يكون لدينا سبب للأمل، يكون لدينا سبب للتصرف». أحدث كتاب لها، The Book of Hope: A Survival Guide for Trying Times، و«البودكاست» الخاص بها، Jane Goodall Hopecast، كلاهما يقدم رسائل ملهمة. في عام 2021، حصلت الدكتورة غودال على «جائزة تمبلتون» التي يتم منحها للأشخاص الذين يسخرون قوة العلوم لاستكشاف أعمق الأسئلة حول الكون والوجود البشري؛ وذلك تقديراً لعملها الذي يدمج العلم بالروحانية والرحمة.

  • جين جودال

مُلهمون ومدافعون عن البيئة
الفائزون في النسخة الثالثة والثلاثين وصفتهم الجائزة على موقعها بأنهم أفراد رائعون اتخذوا إجراءات للدفاع عن مجتمعاتهم وبيئتهم، وهم: شيما ويليامز من نيجيريا، ونيوات رويكاو من تايلاند، ومارجان مينيسما من هولندا، وجوليان فينسنت من أستراليا، وناليلي كوبو من الولايات المتحدة، والثنائي أليكس لوسيتانتي وألكسندرا نارفيز من الإكوادور. 

تسرب نفطي
وفي نيجيريا على الرغم من الثروة النفطية في منطقة «دلتا النيجر»، يواجه السكان معضلة التدهور البيئي الناجم عن الانسكابات النفطية. في كل عام، يتسرب داخل المنطقة حوالي 240 ألف برميل من النفط الخام من خطوط الأنابيب وآبار النفط، مما يؤدي إلى تلويث إمدادات المياه والمحاصيل. في أعقاب الانسكابات النفطية الكارثية في نيجيريا، حمل المحامي البيئي تشيما ويليامز شركة Royal Dutch Shell المسؤولية عن الأضرار البيئية الواسعة النطاق الناتجة عن ذلك. هذه هي المرة الأولى التي يتم فيها تحميل شركة هولندية متعددة الجنسيات المسؤولية عن انتهاكات الشركات التابعة لها في بلد آخر.

الوقاية من تغير المناخ
في انتصار غير مسبوق، استفادت مارجان مينيسما من المدخلات العامة والاستراتيجية القانونية الفريدة لتأمين حكم ناجح ضد الحكومة الهولندية، مما تطلب منها سن تدابير وقائية محددة ضد تغير المناخ. في ديسمبر 2019، قضت المحكمة العليا الهولندية بأن على الحكومة التزاماً قانونياً بحماية مواطنيها من تغير المناخ وأمرت، بحلول نهاية عام 2020، بخفض انبعاثات غازات الاحتباس الحراري بنسبة 25% دون مستويات عام 1990. يمثل قرار المحكمة العليا في هولندا المرة الأولى التي ينجح فيها المواطنون في محاسبة حكومتهم على عدم تمكنها من حمايتهم في مواجهة تغير المناخ.

  • الفائزون بالجائزة في النسخة الـ33

إلغاء تمويل الفحم
أما الأسترالي جوليان فينسينت، فقد قاد حملة شعبية ناجحة لإلغاء تمويل الفحم في أستراليا، والبلد الذي يُعد مُصدّراً رئيسياً للفحم. وبفضل نشاطه، التزمت أكبر أربعة بنوك في أستراليا بإنهاء التمويل لمشاريع الفحم بحلول عام 2030، كما وافقت شركات التأمين الكبرى أيضاً على وقف الاكتتاب في مشاريع الفحم الجديدة.

لا للنفط في المناطق الحضرية
نشأت ناليلي كوبو، البالغة من العمر 21 عاماً، في جنوب لوس أنجلوس وبدأت نشاطها عندما كانت تبلغ من العمر 9 سنوات بعد أن لاحظت روائح كريهة تنبعث من بئر النفط عبر الشارع من منزلها. على مر السنين، عانت الصداع ونزيف الأنف وخفقان القلب الناجمة عن التلوث من البئر. عن عمر يناهز 19 عاماً، قادت ناليلي كوبو ائتلافًا لإغلاق موقع التنقيب عن النفط في مجتمعها نهائياً في مارس 2020.بدأت في حضور الاجتماعات والتجمعات مع والدتها، وفي سن التاسعة، ألقت أول خطاب عام لها حول هذه القضية، لتصبح في نهاية المطاف المتحدث الرئيسي لحظر استخراج النفط في لوس أنجلوس.

حماية نهر ميكونج
في تايلاند، نجح نيوات رويكاو ومجتمعه في إنهاء مشروع تفجير منحدرات نهر ميكونغ العليا، والذي كان من شأنه تدمير 248 ميلاً من نهر ميكونغ لتعميق قنوات الملاحة لسفن الشحن. هذه هي المرة الأولى التي تلغي فيها الحكومة التايلاندية مشروعاً عابراً للحدود بسبب الدمار البيئي الذي قد يتسبب فيه.

تداعيات تعدين الذهب 
في الإكوادور، تمكن الثنائي أليكس لوسيتانت وألكسندرا نارفيز من تحفيز جهود السكان الأصليين لحماية أراضي أسلافهم من التداعيات الناجمة عن تعدين الذهب، والحفاظ على 79000 فدان من الغابات المطيرة البكر والمتنوعة بيولوجياً في منابع نهر أغواركو الإكوادوري، وهو مكان مقدس في كوفان.

  • لجنة تحكيم الجائزة

لجنة التحكيم
تتكون لجنة التحكيم الخاصة باختيار المرشحين وانتقاء الفائزين من: الكينية وانجيرا ماثاي، الحائزة على جائزة نوبل للسلام عام 2004، بسبب إسهاماتها في التنمية المستدامة والديمقراطية والسلام، ولدورها الكبير في حماية البيئة، خاصة تأسيسها عام 1977 لحركة الحزام الأخضر لزراعة 30 مليون شجرة في أفريقيا، وهي أول سيدة تحصل على درجة الدكتوراه في منطقة وسط وشرق أفريقيا.
ومن بين محكمي الجائزة ألفارو أومانا وزير البيئة السابق في كوستاريكا، وهو أول وزير يشغل هذه الحقيبة، خلال عامي 1989 و1990، وتشارك في اللجنة يولاندا كاكاباديس وزيرة البيئة السابقة في الإكوادور، والتي نسقت خلال الفترة من 1990 إلى 1992 مشاركة منظمات المجتمع المدني في مؤتمر الأمم المتحدة للبيئة والتنمية خلال قمة الأرض في ريو دي جانيرو عام 1992.