أبوظبي (الاتحاد)
عاجل.. مستعجل.. breaking news.. مصطلحات كثيرة صارت شائعة جداً بين الجمهور من كثرة ما تستخدمها محطات التلفزيون والمنصات الإخبارية. فعلى مدار الـ24 ساعة تقصف الميديا العربية والغربية جمهورها بوابل لا ينقطع من تلك الأخبار التي يتم بثها بشريط أحمر قان أو أصفر فاقع، حتى إن كثيرين أخذوا يطرحون أسئلة «وجودية» مثل: هل يتعرض الجمهور العربي لجرعة أكبر من اللازم من الإخبار السياسية؟!، أو لماذا يوجد لدينا أصلاً محطات إخبارية تبث على مدار 24 ساعة؟!، أو متى تتوقف الفضائيات عن الإفراط في بث تغطياتها السياسية الزائدة عن الحد.؟!
لقد حوّلت بعض المنصات الإعلامية الحروب إلى ما يشبه المسلسلات التركية. فهي تعيد تكراراً ومراراً طوال اليوم نشر المقاطع الخاصة بالتدمير والقتل والخراب، مع فاصل لا ينقطع من الأخبار «العاجلة» تتخللها تحليلات وتعليقات لا تنتهي أبداً. فهل المشاهد العربي - مثلاً - بطبيعته مجبول على السياسة من صغره مثلاً، أو هل رضع الرأي والرأي الآخر مع حليب الأم، وهل يمكن لجمهور عادي أن يتحمل على مدار 24 ساعة متابعة كل هذه السياسة، وتلك الحروب والأزمات والمواجهات والتوترات والجثث التي تتساقط في الشوارع أو داخل المدارس، حتى يكاد دمها يسيل في غرف المعيشة.؟!
بدون شك هناك إفراط في استخدام شعار Breaking news، حتى مع أي أخبار، بعضها لا يهم بالضرورة المشاهدين أو لا يحظى - وفق المعايير المهنية - بأي أهمية.
لكن المحطات تريد جمهوراً أكثر، والجمهور يمكن إثارة اهتمامه وخطف أنظاره بتعبير ساخن ولون فاقع، يدفعه للمتابعة والانتباه.
المفارقة أن «سي إن إن»، التي بنت مجدها باستخدام هذا الشعار، قررت أن تعيد النظر في الأمر. وبعدما ألهمت العديد من الشبكات الإخبارية عبر العالم بمثل هذه الممارسات، قررت فجأة أن تغير أسلوبها. والفضل في ذلك يرجع إلى رئيسها الجديد كريس ليشت الذي كشف قبل أيام أن المحطة الشهيرة وضعت قواعد جديدة لاستخدام تعبير Breaking News لضمان عدم إساءة استخدامه.
يقول ليشت في تعميم مذكر لصحفيي الشبكة، نشر مقتطفات منها موقع أكسيوس: «مهمتنا إبلاغ الجمهور بالأخبار.. بالتركيز على المعلومات وليس إثارة فزع المشاهدين». ويبدو أن هذه الخطوة جاءت بعد شكاوى كثيرة في هذا الشأن من «أناس داخل وخارج المؤسسة»، يقولون إن ثمة إفراطاً في استخدام شريط العاجل. ويبدو أن القرار جاء في توقيته السليم، لأنه حسب مراقبين كثيرين «كاد الشعار يفقد تأثيره على الجمهور من فرط استخدامه».وقال ليشت أيضاً «الأمر يحتاج إلى تعديلات لذلك فإننا منفتحون على كل الآراء، لكنها نقطة بداية رائعة أن نحاول جعل Breaking news تعني أن شيئاً كبيراً بالفعل يحدث الآن».
وتمثل هذه الخطوة أحدث تحرك في إطار جهود مكثفة تبذلها «سي إن إن» لتعود إلى دورها الطبيعي للبث كمنصة إخبارية وليس لتقديم تحليلات سياسية تقدمية. فالشبكة مهمتها - كما يقول بعض مسؤوليها- التركيز على «إبلاغ» الحقائق للجمهور.. فقط الحقائق.
متى بدأت الظاهرة؟
يقال إن وكالة اسوشيتدبرس هي أول من بدأ استخدام الـ Breaking news عام 1906. وكان الغرض منه هو التوقف عن بث الأخبار العادية المجدولة، للإعلان عن خبر استثنائي له أهمية كبرى. لكن منذ هجمات سبتمبر 2001، زاد استخدامه، ثم لجأت إليه كثيراً محطات التلفزيون العربية مع موجة الاضطرابات الشعبية التي اندلعت بعد عشر سنوات في بعض دول المنطقة، ثم جاءت جائحة كورونا وحرب روسيا – أوكرانيا بأعراضها الجانبية والأمامية والخلفية، لتجعل من الشعار ضيف دائم على شاشات التلفزيون.
ومن دون شك، يتسبب الإفراط في استخدامه في زيادة مستويات التوتر والقلق.. فلا تنس أن شاشات التلفزيون مفتوحة على مصراعيها في ساحات غرف المعيشة، حيث تتمركز ملايين الأسر في مقرها الرئيس داخل البيوت. فإذا بالشريط الأحمر الدامي الذي لا يتوقف ولا يختفي، يثير في الهواء موجة اضطراب وقلق.
يقول خبراء الإعلام إن جزءاً من المشكلة في العالم العربي يكمن بالأساس في أن الإعلام يركز أكثر من اللازم على الغرب ومشاكله وقضاياه، لذا، فأنه يتم اللجوء للشعار بصورة مستمرة في إطار متابعة قضايا قد لا تهم المشاهد العربي إلى هذا الحد. ويؤدي ذلك بالتبعية إلى تراجع حضور القضايا الحياتية البسيطة في مقدمة نشرات الأخبار وعلى صدر الصفحات الأولى، على الرغم من أهميتها الشديدة.