د. شريف عرفة

كلنا لدينا مثل هذا الصديق.. يصر على التقاط صور «السيلفي» قبل أن تهموا بفعل أي شيء. إذ يصور نفسه مع الطعام قبل أكله، ومع بوستر الفيلم قبل مشاهدته، ومع الأصدقاء في المقهى قبل أن يقولوا حرفاً. وكأن التقاط صور السيلفي أصبح ممارسة لا تنفصل عن ممارسة الحياة ذاتها.
قديماً كان التقاط صورة شخصية يتطلب وجود شخص آخر يمسك الكاميرا ويصوبها إليك.. أما اليوم فقد أصبح الأمر نشاطاً فردياً، ذاتياً، شديد الشيوع لدرجة ظهور كلمة «سيلفي» التي أصبحت مفهومة حول العالم.
لذا أصبحت منصة انستغرام أكثر جذباً لمن ينشرون الصور الشخصية أو من يهتمون بمتابعتها.. وهو ما دعا الباحثين لدراسة سلوك المستخدمين على هذه المنصة بالتحديد، لإجابة هذه الأسئلة:
- لماذا ينشر بعض الناس الصور الشخصية بكثافة أكبر من غيرهم؟ 
- وما الذي يجعل الناس يتابعون هذه الصور؟ 
- وما تأثير نشرها ومتابعتها؟
فوجدوا أموراً مثيرة للاهتمام! 

دراسة جديدة
في بحث نشر مؤخراً في «جورنال أوف سايكوسوشيال ريسيرش أون سايبرسبيس» يحمل عنوان «السلوكيات المتعلقة بالصور الشخصية الإيجابية والسلبية: الآثار المترتبة على صورة الجسد واحترام الذات والصحة العقلية»، للباحثة بوجانا بودروشا وزملائها.. وجدوا أن التقاط السيلفي وظائف نفسية متعددة.. فمن ناحية، يساعد الفرد على رسم الانطباع الاجتماعي المطلوب أمام الناس «أنا ناجح، أنا سعيد..إلخ»، وهو ما قد يفيد في رسم المكانة الاجتماعية أو المهنية المطلوبة، بالإضافة لزيادة التقدير الذاتي والثقة بالنفس «خاصة فيما يتعلق بالمظهر الجسدي والجاذبية» من خلال ردود أفعال الناس على الصور. 
إلا أنهم وجدوا أن نشر الصور لا يزيد من رضا الشخص عن شكله بالضرورة، بل قد تجعله أكثر انتباها لعيوبه الشكلية ما يجعله أقل شعوراً بالجاذبية، حتى لو كانت هذه الصور قد تم تعديلها كي تبدو أكثر جمالاً! 
وجدوا أيضاً أن النساء والشباب هم الأكثر انشغالاً بنشر ومتابعة صور السيلفي والأكثر مقارنة لأنفسهم بصور الآخرين. كما وجدت الدراسة أن الأشخاص الأكثر نحافة هم الأكثر نشراً لصور السلفي، ربما لأنهم يتوقعون ردود فعل إيجابية على مظهرهم، لارتباط النحافة بالجاذبية.. بينما الأشخاص الذين لديهم كتلة جسم أعلى فهم أقل نشراً لصور السيلفي.

إلا أنهم وجدوا أن الاهتمام الشديد بمتابعة صور السيلفي التي ينشرها الآخرون، مرتبط بالتأثير السلبي على الصحة نفسية.. حيث إن الدافع لفعل ذلك غالباً ما يكون المقارنات الاجتماعية.. بأن يقارن شكله أو أوضاعه الاجتماعية بالآخرين.. وبما أن هذه الصور تعطي صورة زائفة، فإن إدمان متابعتها قد يؤدي لتقليل التقدير الذاتي والرضا عن الحياة، ويزيد من الضغط النفسي للوصول لمعايير جسدية غير منطقية.
كما تشير الدراسة إلى أن التعليقات الإيجابية قد تزيد من التقدير الذاتي على المستوى القصير، لكنها قد تؤدي إلى تدني تقدير الذات في المستقبل. لماذا؟ ربما لأن الاعتماد على مصدر خارجي يستمد منه الإنسان تقديره لذاته، ليس مفيداً على المدى البعيد.

أسباب أخرى
بالطبع هناك من يحرصون على نشر صور السلفي لأسباب مهنية تتعلق بالترويج الذاتي «كالشخصيات العامة..» أو لتوثيق ذكريات مهمة.. لكن يبدو أن كثيراً من الحالات تتسق مع رأي الكاتب السويدي «فريدريك باكمان» حين قال: «إذا كان الناس سعداء حقاً كما يبدون على الإنترنت، فلن يقضوا وقتاً طويلاً هكذا على الإنترنت، لأنه لا يوجد شخص يستمتع بيوم جيد حقاً يقضي نصفه في التقاط الصور لنفسه»!

باختصار
احذر نشر السيلفي كمصدر للتقدير الذاتي.. واحذر متابعة السيلفي كوسيلة للمقارنات الاجتماعية!