أحمد شعبان (القاهرة)

القارئ الشيخ محمود خليل الحُصري، أحد أعلام دولة التلاوة البارزين في مصر، جاب العالم بصوته العذب الذي أخشع الغرب للقرآن الكريم، فهو أول من قرأ القرآن في البيت الأبيض بقاعة الكونجرس الأميركي، وأذّن لصلاة الظهر في مقر الأمم المتحدة، وأول من رتل القرآن في القصر الملكي بلندن.
ويُعد «الحُصري» أول من سجل المصحف في الإذاعة برواية حفص عن عاصم وورش عن نافع، وكانت شهرته «صوت السماء»، فهو صاحب الصوت الملائكي، كما لقب بـ «عنقود العنب»، و«الحصري»، و«شيخ المقارئ».
ولد الشيخ محمود خليل الحُصري عام 1917، بقرية شبرا النملة التابعة لمركز طنطا بمحافظة الغربية شمال مصر، ولقب بـ «الحصري»، لأن والده السيد خليل، كان إذا وجد مُصلى أسرع إليه وفرشه بالحصير كصدقة جارية للمسجد والعاملين بصناعة الحصير.
تروي ابنته الداعية الإسلامية ياسمين الحصري، الشهيرة باسم «ياسمين الخيام»، قصة لقبه بـ «عنقود العنب» قائلةً: «رأى جدي ذات يوم رؤية في المنام أن عموده الفقري يتشكل ويتدلى منه عنقود من العنب، والناس تأتي جماعات يأكلون من هذا العنقود ولا ينقص منه شيئاً، وفسرها له أحد الشيوخ بأنه يجب أن يُلحق ابنه محمود والدي بالأزهر الشريف، لأنه سيكون له شأن كبير، وهذا ما حدث بالفعل».
أتم «الحُصري» حفظ القرآن الكريم في الثامنة من عمره، حيث كان يذهب من قريته إلى المسجد الأحمدي بمدينة طنطا يومياً لحفظ القرآن، وفي الثانية عشرة من عمره انضم إلى المعهد الديني بطنطا، ثم التحق بالأزهر الشريف وتعلّم القراءات العشر.
وفي عام 1944، تقدم للامتحان بالإذاعة، وكان ترتيبه الأول على المتقدمين بعد فوزه، وكان الشيخ الحصري أول من سجل المصحف المرتل في أنحاء العالم برواية حفص عن عاصم عام 1961، واستمر بث الحصري لصوته على إذاعة القرآن الكريم المصرية لمدة 10 سنوات، ولذلك فهو أحد مؤسسي إذاعة القرآن الكريم في مصر.
كما سجل الحصري القرآن بروايات عدة، كان أبرزها ورش عن نافع، وقالون الدوري عن أبي عمرو البصري، ويعد تسجيله للقرآن المُعلم، كإحدى المدارس في طريقة تعليم الأطفال والكبار طريقة التلاوة، علامة مُضيئة ومحفورة في الذاكرة.
كما أنه من أوائل من نادوا بإنشاء نقابة لقراء القرآن الكريم، ونادى بضرورة إنشاء مكاتب لتحفيظ القرآن في جميع المدن والقرى، وقام بتشييد مسجد ومكتب للتحفيظ بالقاهرة، ولذلك يُعد مسجد الحُصري بمدينة السادس من أكتوبر علامة مميزة في مصر، من حيث الحجم والمساحة والخدمات الدعوية والاجتماعية التي يُقدمها للناس، وتشرف عليه الآن ابنته ياسمين الحصري.
وفي عام 1950 عين قارئاً بالمسجد الأحمدي بمدينة طنطا، ثم عين قارئاً لمسجد الحسين بالقاهرة عام 1955، وعين مفتشاً للمقارئ المصرية عام 1957، ثم عين بقرار جمهوري شيخ عموم المقارئ المصرية، وهو أول من تقلد هذا المنصب.
وتخصص «الحصري» عام 1958، في علوم القراءات العشر الكبرى وطرقها وروايتها بجميع أسانيدها، ونال شهادة علوم القراءات العشر من الأزهر الشريف، وفي 1959 عين مراجعاً ومصححاً للمصاحف.

زيارته لدول العالم
والشيخ الحصري أول من رتل القرآن الكريم في الكونجرس الأميركي، وأذن لصلاة الظهر في مقر الأمم المتحدة، حيث تجلى الشيخ لمدة نصف ساعة في قراءة القرآن الكريم، حتى ملأ صوته أرجاء المكان وسط حالة من الإنصات وحبس الأنفاس سيطرت على أعضاء الكونجرس من روعة صوته. 
وكان الشيخ الحصري وقتها مع وفد يرأسه الشيخ عبدالحليم محمود شيخ الأزهر الشريف آنذاك، والتقى الوفد الرئيس الأميركي جيمي كارتر، وقبل أن يلقي الشيخ عبدالحليم محمود خطبته، تلا الحصري آيات من الذكر الحكيم، وسط إعجاب وانبهار الحاضرين.
كما قرأ الحصري القرآن بقاعة الملوك والرؤساء الكبرى «هايورات» بلندن أثناء زيارته لإنجلترا، وزار إندونيسيا، والفلبين، وسويسرا، وكندا، والصين، وسنغافورة، وروسيا، وغيرها من بلدان العالم. 
ويعد أول من ابتعث لزيارة المسلمين في الهند، وباكستان، وقرأ القرآن الكريم في المؤتمر الإسلامي الأول بالهند بحضور الرئيس جمال عبد الناصر، والرئيس نهرو وزعيم المسلمين بالهند.

علاقاته بالرؤساء والملوك 
ارتبط الحصري بصلات ودّ واحترام مع عدد كبير من رؤساء وحكام الدول العربية والإسلامية، وعلى رأسهم رؤساء مصر، حيث اقترب من السادات ومن قبله عبدالناصر، وسافر إلى معظم الدول العربية والإسلامية بدعوة رسمية من حكامها الذين استقبلوه استقبالاً كبيراً ورائعاً.
وهناك واقعة شهيرة حدثت في ماليزيا، حيث كان الحصري في زيارة هناك، فحملت الجماهير السيارة التي يستقلها على أعناقهم، بعد أن علموا أنه بداخلها، حبّاً وعشقاً في صوته، كما أن كثيراً من زعماء وملوك ورؤساء الدول العربية قربوه منهم، تقديراً لمنزلته بين الناس وحبّاً في صوته.
كما أنه يعد سفير القرآن الأول بلا منازع، حيث كان في طليعة من سافروا للقراءة خارج مصر، ففي عام 1965م زار فرنسا، وتسببت قراءاته للقرآن في المحافل الدولية، في إسلام العديد ممن استمعوا ليه، وفي عام 1967م اختاره اتحاد قراء العالم الإسلامي رئيساً لقرَّاء العالم الإسلامي في مؤتمر «اقرأ» بكراتشي في باكستان.
وللحصري مؤلفات عده أبرزها: «أحكام قراءة القرآن الكريم»، و«القراءات العشر من الشاطبية والدرة»، و«معالم الاهتداء إلى معرفة الوقف والابتداء»، و«الفتح الكبير في الاستعاذة والتكبير»، و«النهج الجديد في علم التجويد»، و«رحلاتي في الإسلام».
وبعد أن امتدت رحلته مع كتاب الله ما يقرب من 55 عاماً، توفي «الحصري» رحمه الله، مساء يوم الاثنين الموافق 24 نوفمبر 1980، بعد صلاة العشاء، وكانت آخر قراءة له في الحرمين المكي والنبوي، وأوصى فضيلة الشيخ الحصري بثلث تركته لأعمال الخير.