خولة علي (دبي) 

اشتهرت المناطق الجبلية منذ القِدم بتلاحم وترابط سكانها وبساطة العيش في بيوت متواضعة قائمة على العادات والقيم العربية الأصيلة. واستطاع الأجداد أن يتحدوا قساوة البيئة بتطويع مفرداتها لتجعلهم أكثر قدرة على التأقلم. ومن حِرفهم للترويح عن النفس، صناعة «الطبول» التي يحيون بها أفراحهم ومناسباتهم الاجتماعية. 

250 عاماً
حسن سالم الظهوري، حرفي ورث فن صناعة «الطبول» واحترفه ويمارسه حتى اليوم رغبة في صونه وحماية من الاندثار، يقول: هي من الآلات القديمة التي عُرفت بين سكان الجبال وتعود إلى أكثر من 250 عاماً، يُقرع فيها ما لا يقل عن 15 نوعاً. وقد اشتهر الحرفيون قديماً في صناعتها، وأذكر منهم جدي الذي يملك طبلاً يعود عمره لنحو 60 عاماً، ونحتفظ به للذكرى.

«الشريس» و«السدر»
ويوضح الظهوري أن أهالي الجبال تميزوا بفنون خاصة منها فن «الرواح» و«الرزيف»، تُقام على إيقاع «الطبول» حيث استفادوا من خامات البيئة المحلية المتوفرة لصناعة الكثير من المنتجات، ومنها ما كان يُستخدم للفرح في بيئة بعيدة كل بعد عن مظاهر الترفيه. ويذكر أن «الطبل» يتألّف من الطواق، حبل المريخة، المعلاق، المخرز والجلد، ويُصنع من خشب «الشريش» و«السدر».

صيف وشتاء
ويشير حسن الظهوري إلى أن الأهالي قديماً اعتادوا إخفاء «طبولهم» طوال الشتاء، لا سيما الخاصة بـ «الرواح»؛ لأن جودتها تضعف نظراً لانكماش الجلد بفعل البرودة، ما يؤثِّر على قوة ونغمة الصوت. وتظهر جودتها في الصيف بفعل الحرارة حيث تشتد وتقوى، وتستمر جودة الصوت بالوتيرة نفسها من الصباح الباكر وحتى المساء. وكانت الأعراس تُقام في الصيف وتتوقف في فصل الربيع والشتاء. 

نبتة العلق
ويؤكد الظهوري أن صناعة «الطبول» تتطلب صبراً ومهارة، حيث يُختار الجلد المناسب بعد ذبح الذبيحة وسلخها، ويُمد على سطح مستوٍ، ويُفرك بنبتة العلق بعد تحوِّلها إلى مسحوق ناعم حتى يتشرَّب السائل تماماً. ثم يُجمع الجلد ويُلف ويوضع في وعاء صغير، مع إضافة القليل من الماء، ويُترك لمدة 12 ساعة ليتساقط الشَعر من الجلد ويُنظَّف من الشوائب، ثم تبدأ خياطة «الطبل» بالمريخة ويُترك لعدة أيام حتى يُسحب الحبل لسماع الصوت وضبطه مع مواصلة شده بقوة أكثر. 

ليلاً ونهاراً
ويعبِّر حسن الظهوري عن سعادته وهو يضرب «الطبل» قائلاً: نحيي الاحتفالات والأعراس ليلاً ونهاراً باستخدام فن «الرواح». وهي تُدق براحة اليد، حيث يقف الرجال جنباً إلى جنب وهم يحملون «الطبول» ويضربون عليها بإيقاع واحد، فيما يتقدمون خطوة إلى الأمام وأخرى إلى الخلف. 

إيقاع واحد 
طقوس ضرب «الطبول» تكون بإيقاع واحد، حيث يدور الرجال حول أنفسهم. ومع مرور الوقت يتصاعد قرع «الطبول»، ثم ينفرد البعض في تقديم تشكيلات إيقاعية، وهي خطوات من الموروث المستمر حتى اليوم كجزء من الهوية المحلية، ولا تخلو منها الاحتفالات والأعراس. 

«السدر»
غالباً ما تُصنع «الطبول» من خشب «السدر» نظراً لقوته وخفته. ومن الفنون المعروفة بين أهل الجبال «الرواح» و«الرزيف»، حيث يتميز الأول باستخدام جلد خفيف ورهيف حتى يخرج الصوت أكثر قوة، فيما يتميز الثاني بسماكة جلده لإصدار صوته أقل حدّة.