حسونة الطيب (أبوظبي)

هل ملَّ الناس كوكب الأرض، ليبحثوا عن العيش في الفضاء، أم لسبر غوره والتعرف على أسراره الخفية؟ لم يقتصر قضاء العطلات السنوية والرحلات السياحية، على السفر للمدن الجميلة والمعالم الرائعة، بل تعداها لوجهة الفضاء ودفع آلاف الدولارات لحجز مقعد على المركبات الفضائية. 
وربما يستغرب الناس، أن أغلى شيء في العالم تمت صناعته على الأرض، لا يوجد على سطحها، محطة الفضاء الدولية وبتكلفة ناهزت 177 مليار دولار، هي الأغلى في العالم من دون منازع. ورغم هذه التكلفة العالية، إلا أن الأموال لا تعني شيئاً لرواد الفضاء الذين يعيشون داخلها، لعدم وجود محلات تجارية في الكوكب الخارجي، والأغرب في الأمر، أن تكلفة توصيل رطل واحد من الطعام لهؤلاء، تقدر بنحو 10 آلاف دولار.
ولا تتوفر مرافق للاستحمام في محطة الفضاء، لعدم وفرة المياه، ليستعيض بدلاً منها، بالمناديل المبللة والرذاذ مرة كل شهر، بالإضافة لاستخدام معجون للأسنان قابل للأكل.
تطلَّب بناء محطة الفضاء الدولية، تعاوناً علمياً وهندسياً غير مسبوق بين 5 وكالات فضاء، أميركية وبريطانية وفرنسية وروسية ودول الاتحاد الأوروبي، تمثل 15 دولة. وتمكن من زيارة المحطة، أكثر من 230 شخصاً من 18 بلداً حول العالم. وعلى الرغم من أن لكل شريك هدفه الخاص، إلا أن الجميع متفقون على تسخير هذه المحطة، لفائدة البشرية.

تم إطلاق المحطة التي تسع 7 رواد فضاء، في نوفمبر 1998، حيث تزن 444.6 ألف كيلو جرام وسرعة قدرها 27.6 ألف كلم/ساعة. وتعتبر المحطة، الأكبر من نوعها في الفضاء وأكبر قمر صناعي في مدار أرضي منخفض. تتكون محطة الفضاء الدولية، من وحدات سكنية مضغوطة، دعامات هيكلية، ألواح شمسية ضوئية، مشعات حرارية، ومنافذ لرسو والتحام السفن الفضائية وأذرع آلية. وبتزويدها بعدد 6 مختبرات عالية التطور، تعتبر محطة الفضاء الدولية، أفضل مختبر على الفضاء. 
يجيء تمويل المحطة، من 15 دولة، لكن تتكفل ناسا وروزكوزموس الروسية ووكالة الفضاء الأوروبية، بالقدر الأكبر، بجانب الوكالتين اليابانية والكندية. وتناهز تكلفة تسييرها، 4 مليارات دولار سنوياً، لتعمل حسب تصريح صدر في يناير 2022، حتى العام 2030.
تقابل هذه التكلفة الباهظة لبناء المحطة، فوائد جمة لسكان كوكب الأرض مثل، الاكتشافات العلمية والتغييرات الإيجابية لنمط حياة الإنسان، واكتشاف معادن مهمة في الفضاء وفصائل حية أخرى، والتطور في عمليات التطبيب عن بُعد وأنماط الأمراض وأبحاث التطعيم ومساعدة الصور التي يتم التقاطها من المحطة، في مراقبة الأرض والتصدي للكوارث الطبيعية وتطوير الزراعة، فضلاً عن الإسهام في تطوير التعليم حول العالم واقتصاد الفضاء.
تشهد الدول الغنية في الآونة الأخيرة، نشاطاً محموماً في سياحة الفضاء، من قبل الأثرياء، ما يعني إمكانية بروز سوق واعدة لشركات القطاع الخاص في المدار الأرضي المنخفض. وفي 20 يوليو 2021، قام جيف بيزوس، مالك شركة أمازون، برحلة للفضاء، على متن مركبة نيو شيفارد التابعة لشركته الخاصة بلو أوريجن. 
ومن بين 600 شخص في انتظار زيارة للفضاء، بقيمة تذكرة تصل لنحو 250 ألف دولار، يوجد العديد من المشاهير الذين دفعوا مقدم التذكرة بالفعل. ودفع دينيس تيتو، أول زائر للفضاء، 20 مليون دولار، للوصول لمحطة الفضاء الدولية في 2001.

900 شركة ناشئة
تنحصر المبادرات الأخيرة ولحد ما، في شركات القطاع الخاص، حيث يدور الحديث عن حقبة ريادة أعمال الفضاء، التي لا تقتصر على الشركات الكبيرة المعروفة فحسب. وبحسب وكالة الفضاء الأوروبية، يوجد ما يزيد على 900 شركة ناشئة يتعلق نشاطها بالفضاء. 

مخلفات الفضاء
بينما يعتبر الفضاء، بمثابة الملكية العالمية العامة، تشكل مخلفات الفضاء التي تزيد على 128 مليون قطعة حول مدار كوكب الأرض حالياً، كارثة في ظل هذه العالمية. ورغم أنه من الصعوبة، قياس الحجم الحقيقي لاقتصاد الفضاء، الذي يشهد نمواً مطرداً، إلا أن التقارير الأخيرة، تقدره بنحو 400 مليار دولار. وفي حين يتوقع بنك مورجان ستانلي، نمو قطاع الفضاء العالمي، بثلاثة أضعاف، إلى تريليون دولار بحلول 2040، يرجح بنك أوف أميركا، نموه إلى 1.4 تريليون دولار بحلول 2030.

فقدان العظام
كشفت البحوث الطبية، الآثار التي تنجم عن تعرض جسم الإنسان للفضاء لوقت طويل، بما في ذلك، فقدان العظام وتحول السوائل من عضو إلى آخر وضمور العضلات. ويمكن استغلال هذه البيانات، لتحديد ما إذا كان، بقاء البشر على المركبات الفضائية، في الفضاء لأطول وقت واحتلال الناس لهذا الكوكب، ممكناً أم لا.