أحمد شعبان (القاهرة)
القارئ عبدالباسط عبدالصمد، صاحب الحنجرة الذهبية والصوت الملائكي، أحد أبرز قراء القرآن الكريم في مصر والعالم العربي، نشأ في بيئة تهتم بالقرآن الكريم حفظاً وتجويداً، ولقب بـ«صوت مكة»، وتربع على عرش التلاوة، حيث كان يحظى الراحل بحضور طاغٍ على مستوى العالم، ويستمع لصوته الملايين، لتبقى ذكراه محفوظة حتى بعد وفاته بـ34 عاماً.
وحول قصة نشأة القارئ عبدالباسط عبدالصمد، يقول محمد الساعاتي المتحدث الرسمي باسم نقابة محفظي وقراء القرآن الكريم في مصر لـ«الاتحاد الأسبوعي»: ولد الشيخ عبدالباسط عام 1927م بقرية «المراعزة» بمحافظة قنا في صعيد مصر، وكان جده من الحفظة المشهود لهم بقراءة القرآن، ووالده كان أحد المجوّدين للقرآن، وله شقيقان من حفظة القرآن، هما: محمود وعبدالحميد، ولحق بهما أخوهما الأصغر عبدالباسط وهو في السادسة من عمره.
يروي القارئ الراحل عبدالباسط في مذكراته حول رحلته مع القرآن، قائلاً: «كانت سنّي عشر سنوات، أتممت خلالها حفظ القرآن الذي كان يتدفق على لساني كالنهر الجاري، وكان والدي موظفاً بوزارة المواصلات، وجدي من العلماء، فطلبت منهما أن أتعلم القراءات، فأشارا عليَّ أن أذهب إلى الشيخ محمد سليم، فذهبت إليه وراجعت عليه القرآن كله، ثم حفظت الشاطبية التي هي المتن الخاص بعلم القراءات السبع».
والتحق الطفل الموهوب عبد الباسط بكتّاب الشيخ «الأمير»، ولاحظ عليه الشيخ أنه يتميز بالنبوغ وسرعة استيعابه لما أخذه من القرآن، ودقة التحكم في مخارج الألفاظ والوقف والابتداء، وعذوبة في الصوت.
وفي عام 1950م ذهب الشيخ عبدالباسط إلى القاهرة وحضر مولد السيدة زينب، الذي كان يحييه عمالقة القراء من المشاهير، وقرأ هذا الفتى الموهوب تلاوة من سورة الأحزاب، فعم الصمت أرجاء المسجد واتجهت الأنظار إلى القارئ الصغير الذي تجرأ وجلس مكان كبار القراء، وتفاعل الحاضرون معه وكأنهم يسمعون صوتاً شجياً ملائكياً.
وحول دخول الراحل الإذاعة يحكي محمد الساعاتي لـ«الاتحاد الأسبوعي» قائلاً: «دخل الشيخ عبدالباسط الإذاعة المصرية لأول مرة عام 1951، حيث اجتاز اختبار الإذاعة بامتياز ليصبح «صوت عموم المسلمين» وبدأت رحلته الإذاعية في رحاب القرآن الكريم، كما عين قارئاً لمسجد الإمام الشافعي، ومسجد سيدنا الإمام الحسين، ويعد الشيخ أول نقيب لقراء مصر عام 1984م.
أما عن سر إطلاق لقب «صوت مكة» عليه، فيقول الساعاتي: كان الشيخ، رحمه الله، يؤدي فريضة الحج في السعودية، وطلب منه تسجيل القرآن الكريم للمملكة، فلم يتردد، بل قدم عدة تسجيلات، منها ما تم تسجيله بالحرم المكي، لذلك سمي بـ«صوت مكة»، كما قرأ في المسجد الأقصى المبارك، والمسجد الأموي بدمشق.
في حوار تلفزيوني له سابق عام 1976، علق عبدالصمد على سؤال بشأن سماعه للأغاني، فقال:«نعم أسمع الأغاني، وأعشق كلّ صوت جميل»..، وقال أيضاً إنه يعشق صوت أم كلثوم، واصفاً إياه بـ«كوكب الشرق والغرب»، لافتاً إلى أنّها الأقرب إلى قلبه، وكان يُفضل الاستماع أيضاً إلى محمد عبدالوهاب، ويرى أنّ الدين لا يُحرّم الغناء، لكن الغناء لا يتناسب مع قيمة قارئ القرآن.
وكان طارق نجل الراحل عبدالباسط قد صرح من قبل أنّ والده كان يعزف على آلة العود، ويحب الاستماع إلى فيروز ووديع الصافي وصباح فخري، كما كان يحرص على حضور بعض حفلات أم كلثوم في دار الأوبرا المصرية.
في ضيافة أبوظبي
تلقى الشيخ دعوات عديدة من شتى بقاع الدنيا، للقراءة في المناسبات المختلفة، فلباها وجاب أنحاء العالم، وخلال عام 1969، حل فضيلة الشيخ عبدالباسط محمد عبدالصمد، ضيفاً على إمارة أبوظبي لتلاوة القرآن الكريم طيلة ليالي شهر رمضان المبارك في مدينة العين، ومن الدول التي سافر إليها: السعودية، وفلسطين، وسوريا، والكويت، والعراق، والمغرب ولبنان، والجزائر، وإندونيسيا، وجنوب أفريقيا، والولايات المتحدة، وفرنسا، والهند.
تكريم وأوسمة
حظي عبدالباسط بحب الملوك والرؤساء، حيث كانوا يستقبلونه استقبالاً رسمياً حافلًا، ومنهم الرئيس الباكستاني الذي استقبله في أرض المطار، ويعتبر القارئ الوحيد الذي نال من التكريم حظاً لم يحصل عليه أحد بهذا القدر من الشهرة والمنزلة التي تربع بها على عرش تلاوة القرآن الكريم.
تم تكريمه حياً عام 1956 عندما كرمته سوريا بمنحه وسام الاستحقاق، ووسام الأرز من لبنان، والوسام الذهبي من ماليزيا، ووسام من السنغال، وآخر من المغرب، وآخر الأوسمة التي حصل عليها كان بعد رحيله من الرئيس المصري الراحل محمد حسني مبارك في الاحتفال بليلة القدر عام 1990م.