أحمد مصطفى العملة (الاتحاد)
كلام كثير قيل طويلاً خلال السنوات الأخيرة عن أن الصحافة التقليدية في خطر؛ لأن الجمهور ينصرف عنها للمنصات جديدة.. ما يحدث الآن هو العكس تماماً.. الصحفيون هم الذين ينصرفون عن الصحافة التقليدية إلى المنصات الجديدة. يزداد انتشار الظاهرة تدريجياً مع اتساع دائرة الصحفيين الذين يقررون فجأة القفز من قطار الصحافة الورقية إلى منصات تقنية مختلفة، مثل «يوتيوب» أو «سابستاك». فهل هو الملل.. أم حب المغامرة أو محاولة استكشاف آفاق جديدة وجمهور مختلف، أم أن الأسباب مادية بالأساس؟!
في العالم العربي الظاهرة أكثر وضوحاً في عالم اليوتيوب. أسماء صحفية معروفة، بدأت تطل على جمهورها في عروض يومية أو أسبوعية بطريقة جديدة.. يعلقون على تطورات الأحداث، أو يستضيفون ضيوفاً يسلطون الضوء على قضايا معينة.
هم بالأساس صحفيون محترفون يعتمدون في طلتهم الجديدة على خبراتهم السابقة وقاعدتهم الجماهيرية. معظمهم يقول: إن منطلقه في التحول، البحث عن مساحة أكبر للتعبير بحرية، من دون خضوع لقيود الناشر أو المؤسسة الصحفية أو إدارة المحطة التلفزيونية أو أي قيود من أي نوع. بهذا المعنى يكاد الصحفي أو المذيع أن يصبح مؤسسة في حد ذاته.. هو مدير نفسه، بلا رب عمل.. كل ما يتطلبه الأمر مساحة بسيطة وأدوات أكثر بساطة لإنتاج مقطع فيديو قد لا تزيد مدته عن ساعة.
طبعاً بدأت الظاهرة بـ«اليوتيوبرز» الهواة والمحترفون.. الذين يبيعون محتوى من كل شكل ولون عبر يوتيوب.. فلماذا لا يبيع الصحفيون المحترفون هم أيضاً محتوى جديداً ومختلفاً يحتاجه السوق والجمهور؟! وفي الحقيقة هذه ليست هجرتهم الأولى.. فقبل أكثر من عشر سنوات، أخذ صحفيون كثيرون ينتقلون من صالات تحرير الصحف إلى استوديوهات التلفزيون. كانت محطات التلفزيون الرسمية والقنوات الخاصة الجديدة، تحاول- في مواجهة تحديات جديدة - تقديم خدمة إعلامية أرقى وأكثر عمقاً وحرفية مما يقدمه المذيعون المحترفون. فكان الصحفيون هم الحل. لم يكن المشوار بعيداً.. فقط انتقلوا من مقاعد الضيوف المحجوزة لهم دائماً إلى مقاعد المذيعين. ومن هنا بدأت علاقتهم الاحترافية بالكاميرا. فكانت خطوة اليوتيوب، هي التطور الطبيعي.. لماذا؟!
لأن منصة الفيديو الشهيرة، صارت للصحفيين كالمسرح للممثلين.. حيث الأداء الحي أمام الجمهور الذي يمكن قياس حجمه وردود فعله، يدفع المزيد من الأدرينالين في العروق. وبذلك انهار الجدار التاريخي الوهمي الذي كان يفصل بين الطرفين. صار الصحفيون أكثر قدرة على الإحساس بنبض الجمهور بالمعنى الحرفي من خلال التفاعل الحي على المنصة.. وسوف يكون لهذه التجربة آثار كبيرة على مسيرة تطور الصحافة والإعلام، مع تفعيل دور الجمهور.
فهل يعني ذلك أننا سنشهد في المستقبل رحيل عصر «الكيبورد»، كما ولى من قبل عهد القلم.؟! لتصبح أدوات الصحفي كاميرا وهاتفاً وبضعة تطبيقات ذكية؟!