خولة علي (دبي) 

برهن الأهالي قديماً، أن الحاجة أم الاختراع، وابتكروا الكثير من الأدوات بدائية الصنع، التي ساهمت في توفير احتياجاتهم وتسهيل نمط حياتهم اليومية وجعلهم أكثر قدرة على مواصلة أعمالهم.
من الوسائل التي عمد الأهالي إلى صناعتها، «اليازرة» وهي وسيلة ري بدائية، ابتكرها أهل المناطق الزراعية لري مزارعهم، فهي تشكل مضخة تقليدية، تعتمد على قوة الثور في سحب الدلو من البئر، بقيادة المُزارع، في رحلة بين صعود وهبوط، يصحبها صوت جر الحبل والساقية في موسيقى صباحية تشعل طاقة «اليازر» بمزيد من النشاط والعمل. 

75 عاماً
ومن رواد صناعة «اليازرة» علي يوسف الشعرون الشميلي رحمه الله، والذي عمل عليها قرابة 75 عاماً حتى وافته المنية، وهو في الـ 90 من عمره. وكان مثالاً للحفاظ على هذه الوسيلة التقليدية المتوارثة في سقاية وري النخيل، وهو من القلائل الذين اعتمدوا على هذه التقنية مع توافر الآلات الحديثة. وفضَّل أن يستمر على الوسيلة التقليدية في ري مزرعته، انطلاقاً من تمسكه بمهنته وصناعته التراثية، ونقلها لأبنائه، ومنهم خميس الشميلي الذي حمل لواء والده وسار على نهجه في وصون الموروث وتعريف الجيل بوسيلة ابتكرها الأهالي من مكونات البيئة المحلية.

صوتها
عن «اليازرة» ودور «اليازر» الذي ارتبط عمله واسمه بهذا الابتكار يقول خميس الشميلي: نشأت في بيئة زراعية وبين مزارع النخيل والمانجو، وتعلمت من والدي الكثير من أسس الزرعة وفنونها. و«اليازرة» لا يزال صوتها القوي يصدح في المزرعة ويعيد إليّ ذكريات طفولتي بين اللهو ومساعدة والدي في ري النخيل وحصد المحاصيل. وهذه الوسيلة البدائية التي انتشرت في البيئة الزراعية كانت تشق هدوء المكان وسكونه، وهي أقدم طريقة اعتمد عليها المزارعون لري مزارعهم، وبعض المَزارع لا تزال تعتمد على هذه التقنية، على الرغم من دخول الآلات الحديثة.

دلو وبئر
ويعرِّف خميس «اليازرة» قائلاً: هي تقنية تقليدية لري مَزارع النخيل صُنعت من خامات البيئة المحلية، تعتمد على قوة الثور في سحب الدلو المملوء بالماء من البئر. وتكون تحت إشراف «اليازر» الموكلة إليه مهمة قيادة الثور ومرافقته والسير به إلى منقطة الخب، أرض أفقية تنتهي بعمق معين يصل إليه الثور لاستخرج الدلو من البئر وتفريغه في حوض يجري عبر قنوات ري تصل إلى النخيل والمحاصيل. ويذكر أن «اليازر» كان يردد بعض الأهازيج الغنائية التي تمثِّل ملحمة الصبر وتحدي مشقة العمل.

المنيور 
تتكوَّن «اليازرة» من الثور الذي تقع عليه مهمة العمل الشاق، إذ لا بد ألا يقل عمره عن سنتين، وأن يتمتع بالقوة في تحمل العمل الذي يبدأ من طلوع الفجر حتى المغيب. وتوضع على كتف الثور قطعة خشبية على شكل قوس تسمى «الوي»، يُربط بها حبل يُسمى «الرشا» مع الدلو المصنوع من جلد الحيوانات. أما «المنيور»، فهو عبارة عن بكرة دائرية مصنوعة من خشب السدر، وأخرى تُسمى «الصفير»، يشكِّلان بنية «اليازرة». 

قائد الثور
«اليازر» هو قائد الثور في رحلة العمل اليومية المضنية. كان ينكب على أداء مهام الري مردداً بعض الأهازيج الغنائية طرباً، وذلك ليشغل وقته الصعب بأجواء تكسر مشقة العمل المتواصل لساعات طويلة.

هوية
شكَّلت «اليازرة» مرحلة مهمة من تاريخ أهل البلد، بقيت خالدة في الذاكرة. يحرص كبار السن على نقل صناعتها للأجيال المتعاقبة، تأكيداً على حماية الموروث وصونه، لما يمثِّله من هوية وحضارة. 

صبر وثبات
صناعة «اليازرة» تعيدنا عبر تفاصيلها ومفرداتها التراثية لتلمس جماليات الماضي والحياة القديمة التي تنبض بالصبر والثبات والعمل. وهذا ما انعكس على أجدادنا، فكانوا مثالاً للقوة والقدرة على التحمُّل، حيث ساهموا في تطويع مفردات البيئة المحلية لتكون خيراً وعوناً لهم لتلبية احتياجاتهم اليومية.