لكبيرة التونسي (أبوظبي) 

صناعة «المالح» ثقافة متأصلة في المجتمع الإماراتي، وموروث شعبي ارتبط بالذاكرة الجمعية لأهل البلد، رافقتها طقوس وعادات وتقاليد. إذ أوجد الصيادون قديماً عدة صيغ لحفظ الأسماك وإطالة عمرها بطرق تقليدية وصحية لتناولها طوال السنة في وقت لم تكن الثلاجات متوفرة، ولا تزال منتجاتها تحظى بمكانة بارزة بالرغم من الحداثة.
تمثِّل «صناعة المالح» مهنة أساسية لأهل الساحل من الصيادين، وقد اشتهرت دبا الحصن بـ «المالح»، والذي يُعد وجبة رئيسة على موائدهم. وتنشط هذه الصناعة في فصل الصيف، وفي مواسم وفرة الأسماك وانخفاض أسعارها، وتختلف الأنواع التي تُملح من موسم لآخر. 

خبرة
النوخذة صالح محمد أحمد علي الحمادي يزاول هذه المهنة منذ أكثر من 35 عاماً ويحرص على المشاركة في مختلف المهرجانات للتعريف بهذا الموروث الإنساني القديم، قال: إن «صناعة المالح» تُعد من أهم الصناعات الشعبية، وتحتاج إلى خبرة ومهارة لإعداد «المالح» بطريقة جيدة، مع الاحتفاظ بعناصره وبمذاقه من دون تعرضه للتلف. وأكد أن إعداد اللذيذ منه رهين باختيار نوع السمك الطازج والمناسب للتمليح، وطريقة تنظيفه وحفظه وتعريضه للشمس واستخدام ملح الجبل أو البحر. 

حرارة الشمس
وذكر الوالد صالح أنه للحصول على «مالح» بجودة عالية، يجب اتباع الكثير من الخطوات التي كان يقوم بها الأجداد بتلقائية تامة، بحكم الخبرة التي اكتسبوها طوال عملهم في هذا المجال. وأوضح أن هذه المهنة لا تزال تُمارس بالطريقة نفسها، بحيث تُفصل العظام والرأس عن الجسد وتُقطع وتُغسل جيداً، مع إزالة الشوائب والدم منه، وبعدها تُحشى فتحات السمك بالملح بعد دقه وتنعيمه. وبعد تمليح الشرائح توضع في علب بلاستيكية، بينما كانت في السابق عبارة عن علب من الصفيح، ولا تُترك فراغات بين الشرائح. ويتكرر رش الملح فوق كل طبقة وتُغلق العلب بإحكام، وتُعرَّض للشمس. وبعد مدة تتراوح بين 3 أو 6 أشهر يكون «المالح» جاهزاً للأكل، حيث تختلف المدة حسب نوع السمك المملَّح، بينما تُعتبر حرارة الشمس ضرورية لأنها تسهم في إنضاجه. ولحم السمك «المالح» يجب أن يكون أحمر اللون كدليل على جودته. 

«القيظ»
أسهمت «صناعة المالح» في تأمين احتياجات أهل الساحل من هذه المادة الحيوية التي اعتمدوا عليها بشكل كبير. وفي ذات الوقت استُثمرت الثروة السمكية، وارتبط «المالح» ببعض أنواع من السمك مثل «القباب» و«الكنعد»، التي تتميز بلحمها الكثير وطعمها وتحملها للملح الخشن ولحرارة الشمس. وذكر الحمادي أنه يزداد الإقبال على تناول «المالح» في موسم «القيظ» لعدة أسباب، حيث يعزف الصيادون عن الخروج للصيد ويكثر هروب الأسماك إلى المناطق الباردة، ما يدفع الناس إلى تعويض تناول السمك الطازج بطبق «المالح». ويُعتبر كذلك من المواد المفضلة التي يأخذها «القاظة» إلى مناطقهم بعد انتهاء الموسم. 

نكهات
«صناعة المالح» تعادل حالياً صناعة تعليب الأسماك، وقد أوجدت قديماً صيغة لتوفير مخزون أساسي للصيادين وأسرهم، ولا تزال تحظى باهتمام كبير. وأكد الحمادي أن منطقة دبا الحصن أصبحت مقصداً للباحثين عن أجود أنواع «المالح»، لاسيما أنها تمارس هذه الصناعة المتأصة بالطريقة القديمة نفسها.

عيد الفطر
«المالح» أكلة شعبية لا تزال تحظى بإقبال كبير، ولا سيما في بعض المواسم مثل عيد الفطر، وذلك بعد الانقطاع عن تناول الموالح طوال شهر رمضان تفادياً للعطش. ويؤكل «المالح» يوم العيد بهدف التحفيز على شرب الماء وإمداد الجسم بما خسره من أملاح خلال فترة الصيام.