أحمد مراد (القاهرة)
بين الحين والآخر، تتعرض العديد من مناطق العالم لتغيرات مناخية حادة بسبب حدوث ما يُعرف بـ«ظاهرة النينيا» التي يترتب عليها تأثيرات عديدة على أحوال الطقس، وتؤدي إلى بعض الاضطرابات القوية في حالة الطقس على المستوى العالمي.. فما هي النينيا؟
أمطار وجفاف
تُعرف «النينيا» بأنها ظاهرة مناخية تحدث بسبب البرودة الشديدة وغير العادية لسطح المياه في المنطقة الاستوائية في المحيط الهادئ، ولا سيما في مناطق شرق ووسط المحيط الهادئ، وهي مناطق قريبة من خط الاستواء قبالة الساحل الغربي لقارة أميركا الجنوبية، وفي أجزاء أخرى من العالم.
وتحدث ظاهرة النينيا بشكل متكرر بسبب التغيرات المناخية، إذ إن الزيادة في درجات الحرارة العالمية تؤدي إلى زعزعة استقرار وجود هذه الظواهر، وتداول الكتل المائية، وتتسبب النينيا في زيادة هطول الأمطار في مناطق، وتتسبب في جفاف شديد بمناطق أخرى.
ويترتب على ظاهرة النينيا تأثيرات واسعة النطاق على أحوال الطقس، فعلى سبيل المثال لا الحصر، يتميز شتاء النينيا بظروف أكثر جفافاً واعتدالاً عبر نصف الكرة الجنوبي، مما يسبب حرائق مرتفعة، ومن ناحية أخرى قد يصبح شمال غرب المحيط الهادئ أكثر رطوبة من المعتاد، ويعاني الشمال الشرقي من ظروف شديدة البرودة. وخلال فترة ظهور النينيا تميل درجات حرارة سطح البحر عبر شرق ووسط المحيط الهادئ إلى الانخفاض، وتكون أقل من درجات الحرارة العادية، وتحديداً بين 35 درجات مئوية.
6 أشهر
تتكرر ظاهرة النينيا كل «2: 7» أعوام، وتحدث خلال حلول فصل الخريف في النصف الشمالي من الكرة الأرضية، ويمكن أن تستمر لمدة تصل إلى عامين، وفي الولايات المتحدة الأميركية، على سبيل المثال، تحدث ظاهرة النينيا لمدة خمسة أشهر على الأقل.
صراع المياه الباردة والدافئة
تحدث ظاهرة النينيا عندما تصبح الرياح التجارية الشرقية قوية، وتهب المزيد من المياه الدافئة غرباً، الأمر الذي يجعل المياه الباردة تحت سطح البحر تندفع نحو الأعلى بالقرب من ساحل قارة أميركا الجنوبية، ومن ثم تحل المياه الباردة محل المياه الدافئة.
وتجلب الرياح التجارية القوية المياه الباردة إلى السطح، وتُعرف هذه العملية بـ «الانقلاب»، إذ يمكن أن يتسبب ارتفاع منسوب المياه في انخفاض حاد في درجة حرارة سطح البحر.
فيضانات وعواصف وأعاصير
تتسبب ظاهرة النينيا في العديد من العواقب والتأثيرات السلبية، أبرزها الفيضانات الكارثية والمدمرة في بعض الأجزاء الشمالية من أستراليا، ففي أعقاب أحداث النينيا القوية خلال عام 2010 شهدت مقاطعة كوينزلاند الأسترالية أسوأ فيضانات على الإطلاق. كما عانت بوليفيا في الماضي من خسائر فادحة نتيجة ظاهرة النينيا.
ومن ناحية أخرى، عادة ما ترتبط النينيا بالعواصف الاستوائية الشديدة والأعاصير، حيث ترتبط الرياح التجارية القوية في أحداث النينيا بمجموعة من حوادث الأعاصير الخطيرة، والطقس شديد البرودة في أجزاء مختلفة من العالم، وتكون الظروف الأكثر ملاءمة للأعاصير في منطقة البحر الكاريبي.
كما تتسبب ظاهرة النينيا في زيادة هطول الأمطار في الأجزاء الجنوبية الشرقية من العالم مثل بلدان جنوب شرق آسيا التي تستفيد من زيادة هطول الأمطار في الأغراض الزراعية.
وكانت ظاهرة النينيا قد تسببت في العام 2008 في انخفاض كبير في درجات حرارة سطح البحر فوق جنوب شرق آسيا، مما أدى إلى هطول أمطار غزيرة في جميع أنحاء الفلبين، وإندونيسيا، وماليزيا.
انخفاض تكوين السحب
تتميز ظاهرة النينيا بضغط قوي، الأمر الذي يؤدي إلى انخفاض تكوين السحب، وبالتالي انخفاض كمية هطول الأمطار في العديد من المناطق، منها الساحل الغربي الاستوائي لأميركا الجنوبية التي تعاني من ظروف أكثر جفافاً من الظروف العادية. كما تتسبب هذه الظاهرة في ظروف أكثر جفافاً عبر شرق أفريقيا الاستوائية خلال الفترة من ديسمبر إلى فبراير، ويمكن أن تكون هذه الفترة أطول أو أقصر اعتماداً على شدة ظاهرة النينيا.
عربياً.. تأثيرات متضاربة
تتأثر المنطقة العربية بظاهرة النينيا، وتظهر هذه التأثيرات في صورة ارتفاع درجات الحرارة، وقلة الأمطار في مناطق المشرق العربي، ولكن يحدث العكس في مناطق المغرب العربي، حيث تزداد الأمطار، وتنخفض الحرارة عن معدلاتها الطبيعية، وتزداد فرصة حدوث الفيضانات والسيول في مناطق المغرب العربي، فيما تزداد فرصة الجفاف في مناطق المشرق العربي.
تأثير إيجابي
عادة ما ترتبط ظاهرة النينيا بالعديد من الآثار السلبية على أنماط الطقس في أجزاء عديدة من العالم، ولكن هذا لا ينفي وجود بعض التأثيرات الإيجابية لها، فعلى سبيل المثال في دولة بيرو تعني التغيرات في درجات الحرارة ارتفاع موسم الصيد بالنسبة للصيادين، حيث سبق أن أبلغ الصيادون عن زيادة وجود الأسماك على طول الساحل، والسبب في ذلك أن المياه تكون أكثر دفئاً قليلاً، والرياح تأتي مع طعام الأسماك، وهذا يجذب المزيد من الأسماك إلى السطح، مما يسهل على الصيادين صيد أنواع مختلفة من الأسماك.
النينيا والنينيو.. اختلافات عدة والنتيجة واحدة
تحدث ظاهرتا النينيا والنينيو في المنطقة الاستوائية من المحيط الهادئ، وهما يشكلان تغييراً دورياً غير منتظم في الرياح ودرجات الحرارة في المحيط الهادئ الاستوائي الشرقي، ويؤثران على مناخ الكثير من المناطق الاستوائية وشبه الاستوائية، ويؤديان إلى بعض الاضطرابات القوية في حالة الطقس على المستوى العالمي.
ولكن الظاهرتين تختلفان في حالات النشأة وظروف الحدوث، فظاهرة النينيو تحدث بسبب ارتفاع حرارة سطح المياه في المحيط الهادئ عن معدلها الطبيعي والمعتاد. بينما تحدث ظاهرة النينيا نتيجة انخفاض درجات الحرارة في المحيط الهادئ عن معدلاتها الطبيعية.