د. شريف عرفة

ترسم مخيلتنا دائماً صورة نمطية للقائد أو المدير الناجح.. ذلك الشخص الصارم الذي يتعامل في قوة وحزم مع الموظفين كي يستطيع إدارتهم بفعالية، إلا أن مفهوماً جديداً بدأ الحديث عنه مؤخراً.
في  كتاب «القيادة بالتعاطف» يطرح الدكتور جوثام بالابا Gautham Pallapa  أسلوباً جديداً في الإدارة.. للتعرف عليه أجرينا مع المؤلف هذا الحوار..
كثيراً ما ينفجر الأطفال غاضبين أو باكين بشكل مبالغ فيه، في وقت ومكان غير مناسبين، ولأسباب نعتبرها تافهة للغاية، ومن مهارات الأمومة والأبوة الرئيسة معرفة كيفية التعامل مع هذه التقلبات المزاجية للأطفال بدلاً من اللجوء للحل السهل: نهرهم وعقابهم!
يتحكم الشخص البالغ في مشاعره ويكبح رغباته من خلال قشرة الفص الجبهي، ذلك الجزء من المخ الذي يؤدي «المهام التنفيذية»، أي بتنظيم العواطف وترتيب الأولويات والتفكير المنطقي.. في الأطفال الصغار، لا يكون هذا الجزء مكتملاً. لذلك يجد الطفل صعوبة في التحكم في مشاعره ورغباته غير الملائمة، حين ينفجر الطفل منفعلاً، فهو لا يحاول استفزازك كما تظن، بل يعلن احتياجه إليك كي تقوم بهذه المهام التنفيذية له، للمساعدة في اكتمال نضجه النفسي بطريقة صحية!
في كتاب «Nature Meets Nurture: الاستراتيجيات القائمة على العلم لتربية الأطفال الذين يتمتعون بالمرونة النفسية» تستعرض الباحثتان ستايسي إن دوان من جامعة كورنيل، وجيسيكا إل بوريلي، الأستاذ في العلوم النفسية بجامعة كاليفورنيا، مجموعة من التوضيحات والنصائح المفيدة للتعامل مع الأطفال..

لماذا يثور الأطفال في الوقت غير المناسب؟
الأبوان هما مصدر الاستقرار العاطفي للطفل، ومنهما يستمد شعوره بالثقة والأمان، لذلك يكون الطفل أكثر حساسية لملاحظة الإرهاق أو الارتباك والتشوش أو التوتر الذي قد ينتاب الوالدين. وهذا يقلقه ويهز مصدر الطمأنينة لديه، فيصبح أكثر عرضة للغضب الزائد أو محاولة جذب الانتباه، لهذا تجد الطفل ينفعل في أسوأ الأوقات الممكنة، بينما أنت مرهق من العمل أو تريد الانفراد بنفسك!

لماذا يغضب الأطفال لأسباب تافهة؟
تجيب الباحثتان بأن الأطفال أكثر تركيزاً وانتباها للتفاصيل التي يعتبرها الآباء تافهة أو لا يلاحظونها أصلاً، فكل شيء في الحياة جديد على الطفل، فيتفاعل معه ويتأثر به ويعتبره مهماً. كل شيء في عالم الطفل مهم بالنسبة له. لذلك لا تنزعج إن بكي طفلك لأنه يريد ارتداء هذا الحذاء وليس ذاك.. أو لأن أخاه أخرج له لسانه.. هذا ليس مهماً لك كشخص ناضج أدرك أن هذه الأمور من الصغائر، بينما قد تكون أهم شيء في حياة طفلك في هذه المرحلة! فلا تؤكد له أن هذا الشيء تافه، بل تحدث معه بمستواه ولغته التي تناسب رؤيته لعالمه الصغير.

إدارة المشاعر
الطريقة الشعبية للتربية، هي نهر الطفل وعقابه إذا ما ارتكب خطأ.. بينما ينصح علماء النفس التربوي بالالتفات للمشاعر لا السلوكيات فقط.. لأن تعلم إدارة المشاعر هو ما يجعل الإنسان قادراً على التحكم في نفسه بشكل أكثر كفاءة حين يكبر.
- الخطوة الأولى لتدريب طفلك على ذلك هي أن تساعده في فهم مشاعره. بأن تسأله: بماذا تشعر الآن؟ ولماذا تشعر بذلك؟ إن وجد صعوبة في فهم انزعاجه يمكنك أن تساعده: هل تشعر بالحزن بسبب كذا؟ تشعر بالقلق لأن كذا قد حدث؟ هذه العملية تساعد الطفل في الالتفات لعالمه الداخلي لفهمه، كخطوة أولى للتمكن من إدارته.
- الخطوة الثانية: هي إبداء التعاطف.. وضح له أنك تفهمه وتشعر بمعاناته، كأن تقول: أفهم أنك حزين لأن لعبتك انكسرت.. كل المشاعر صحيحة لأنها تعبر عن رؤية طفلك للموقف.
- الخطوة الثالثة: هي الحديث عن الإجراءات.. ماذا يمكن أن نفعل حيال ذلك؟ ما هي الخيارات المتاحة؟ ماذا لو اشترينا لعبة أخرى؟ ماذا لو حاولنا إصلاحها؟ ماذا علينا أن نشعر حيال ذلك؟ التحدث عن البدائل الإجرائية والشعورية مفيد لإدارة الذات.
- الخطوة الرابعة: أن تمده بالأدوات المختلفة التي تساعده في إدارة المشاعر.. لاحقاً، بعد انتهاء انفعاله، يمكن أن تتحدث معه عن المشاعر وكيف تتأثر بأفكارنا.. لو فهمت الموقف بشكل حزين سوف تحزن، ولو نظرت له بشكل إيجابي سوف تفرح.. يمكن أن تعلمه مهارات التشتيت، أي الابتعاد عن مصدر الانزعاج.. أو تقنيات الاسترخاء «كالتنفس البطيء..» لتخفيف الغضب..
هذه ليست بديهيات لدى الأطفال ويحتاجون لسماعها!

وأخيراً:
لا تأخذ تصرفات طفلك على محمل شخصي، فتصرفاتهم كثيراً ما تكون عشوائية ولحظية وليست موجهة لك.. ومهما فعلت، سيشعر أبناؤك بمشاعر سلبية ويجربون الحزن وخيبة الأمل، وليس دورك حمايتهم من خوض تجارب الحياة. كن حاضراً لأجلهم ومرشداً لهم، لكن لا تجعل هذا سبباً في تعطيل قدرتهم على الاعتماد على النفس وإدارة مخاوفهم وإحباطاتهم.