هناء الحمادي (أبوظبي)
تمدّ مريم المنصوري أمامها بساطاً من الألوان، تشدّ خيوطها بقوة أناملها، وما أن تسألها عن اسم حرفتها حتى تُفاخر بالقول إنها حياكة «السدو». وبهذه العبارة تسرد قصة واحدة من أقدم الحِرف في شبه الجزيرة العربية وتتحدث عن تاريخها وجماليات صناعتها.
سيّدة الحرف
ارتبطت حياكة «السدو» بدولة الإمارات منذ عقود، ويكفي التأمل في ألوان مشغولاتها ونقوشها الهندسية لمشاهدة صورة صادقة عمّن عايشوا البيئة الصحراوية وعرفوا جيداً كيف يستغلون مواردها الطبيعية على قلتها، وتطويعها لصالحهم.
وذكرت مريم المنصوي أن حياكة «السدو» كانت تمثل قديماً سّيدة الحرف التي تعتمد على أدوات بسيطة، فهي تُغزل من وبر الإبل وصوف الماعز والأغنام التي تُشد على آلة «النول» المصنوعة من أوتاد خشبية أو حديدية، و«المنشزة» قطعة خشبية مستطيلة ذات طرفين حادين، تُستعمل لرصف الخيوط بعد تشكيلها.
براعة وإتقان
تشدّ المنصوري خيوط الصوف على «النول» واصفة طريقة حياكة «السدو» بالقول: تُبرم الخيوط على المغزل للحصول على خامة البساط، وقديماً كان الرجال والنساء يمارسونها، ولكن النساء كن أشد إتقاناً وبراعة. أما الألوان فكانت تقتصر على الأبيض والأسود والأحمر، ومع مرور الوقت دخلت عليها ألوان أخرى مثل الأخضر والبرتقالي والأصفر. وتوضح أن الحرفيات كن يمضين في إنتاج البساط الواحد وقتاً طويلاً قد تصل مدته أحياناً إلى أكثر من شهر.
صون عاجل
وتقول: يحتل «السدو» مكانة خاصة في المجتمع الإماراتي، ويلعب دوراً أساسياً في الحياة البدوية ويشكِّل مثالاّ ملموساً يعكس مدى براعة الحرفيين وقدرتهم على التكيّف مع بيئتهم الطبيعية. وتُعد ممارسة النساء البدويات لهذه الحرفة إحدى المساهمات الاقتصادية القيّمة التي يقدمنها للمجتمع. ونظراً لأهمية هذه الحرفة، تمكنت دولة الإمارات عام 2011 من إدراجها في قائمة «اليونسكو» للتراث الثقافي غير المادي الذي يحتاج إلى صونٍ عاجل. وتذكر مريم المنصوري أن السدو من أنواع النسيج التقليدي، حيث تتفنّن النساء في حياكة «السدو» وبرموزه ومعانيه التي لا يدركها سوى أهل البادية لجهة تمييز وسم القبيلة أو المواسم.
نقوش وزخارف
وتتحدث المنصوري عن النقوش التي تزين «السدو»، قائلة: تتميز بأشكالها الهندسية التي تبرز الأراضي العُشبية المُنبسطة والكثبان الرملية وأشجار النخيل والأزهار والصقور والآيات القرآنية والمساجد وأسماء القبائل. كما تعكس أفكاراً معينة، كتجسيد شكل القلادة ذات الحلقات المتداخلة لوحدة وتماسك أفراد القبيلة. وتتمثل أهم الزخارف في تصاميم نقش الأشجار والعويريان وعين الغدير، وأخرى مُزينة بالجلد والحبوب وأسنان الخيل.
منتجات
وتشير المنصوري إلى أن «بيت الشَعر» أشهر المنتجات المصنوعة من «السدو»، وهو السكن المتنقل للبدو قديماً ويُصنع من نسيج شَعر الماعز الذي يتميز بقوة نسيجه وشدة تحمله ليلائم بيئة الصحراء المتقلبة. وتصنع منه النساء «السفايف»، وهي خيوط مُحاكة بألوان زاهية تُستخدم لتزيين الجِمال والخيول، فيما تخصص قطعة من السدو لتُفرش على ظهور الجِمال ويُطلق عليها «الشف». وتصنع النساء أيضا البُسط أو «الساحة»، وهي مفارش تُستخدم في فرش الديوانية وتُصنع من الخيوط المبرومة. وتتفنن النساء في حياكة «التكايات» من «السدو»، وهي عبارة عن وسائد مربعة يستند عليها الجالسون في الديوانية.
ويُستخدم «السدو» أيضاً لحياكة الملابس والبشوت، وتصنع من خيوط فاخرة وبطرق متقنة.
تصاميم
استُخدم هذا النوع من النسيج في صناعة الخيم و«بيوت الشَعر» وفي تزيينها من الداخل. وغالباً ما كانت الجِمال تُزيَّن بالعتاد المصنوع من «السدو» أيضاً، بالإضافة إلى التصاميم المنسوجة التي تضيف حيوية وبريقاً إلى السروج والأحزمة.
أصل الكلمة
تُطلق كلمة «السدو» على عملية حياكة أو نسج الصوف عند أهل البادية، وهي من المعاني المستوحاة من البيئة الصحراوي، ويُقصد بها عند البدو مدّ خيوط الصوف بشكل أفقي وحياكتها على النول.
أشكال هندسية
يُعد «السدو» من الحرف التقليدية التي عملت بها المرأة الإماراتية منذ القِدم. تستخدم النساء صوف الأغنام ووبر الجِمال وشَعر الماعز لصنع تصاميم جميلة ومميزة غنية بأشكالها الهندسية التي تعكس في الغالب الهوية الاجتماعية والبيئة المحيطة.