لكبيرة التونسي (أبوظبي)
صناعة الفخار، لطالما كانت مهنة أساسية لدى أهل الإمارات، ووفّرت قديماً مستوىً جيداً للعيش، إذ لم يكن يتوقف الطلب على موادها طوال العام. وسوق الجمعة الواقع على الطريق بين الذيد والفجيرة، يُعد من أشهر الأسواق التي تعرض منتجات الفخار الذي اشتهرت به المناطق المجاورة لرأس الخيمة نتيجة لوجود الجبال والصلصال.
نقوش
على الرغم من التطور الذي طرأ على صناعة الفخاريات، لا يزال الكثير من أهل الإمارات يحافظون على هويتها التقليدية، عبر تزيينها يدوياً بالنقوش والزخارف والأشكال القديمة. ويجهدون أنفسهم بمهنة تتطلب الصبر والدقة، بأدوات بسيطة تدل على شغف الأوّلين الذين استثمروا ما توفر لديهم لاستعماله في حياتهم اليومية.
هوية للأجيال
على عكس أبناء جيله الذين يميلون إلى الحرف العصرية والأعمال المريحة، لا يزال سعيد الشحي الذي توارث صناعة الفخار عن والده وأجداده، متشبثاً بهذه المهنة. وهو يعيد إحياءها عبر المشاركة في المعارض والمهرجانات، وتقديم ورش العمل حفاظاً على هوية تروي في جزء منها وقائع عن الحياة قديماً.
ويعزز الشحي صاحب ورشة صناعة الفخار في دبا الفجيرة هذا الإرث، مؤكداً أنه من الصناعات الإنسانية القديمة التي عبرت عن طريقة عيش الشعوب في مختلف الحضارات بالإضافة إلى مساهمتها في التنمية الاجتماعية والاقتصادية.
خيرات
بشغف كبير ومهارة عالية، يجلس الشحي في ورشته يحوِّل كتلة من الصلصال لتصبح مدخناً أو وعاءً لحفظ الماء أو طبقاً أو مزهرية يمكن استخدامها والاستفادة منها. ويذكر أن هذه المهنة انعكاس للمخزون الفطري لأهل المنطقة في استثمار خيرات الطبيعة، مؤكداً على أهميتها في تعزيز الموروث، وتظهر كيف مارسها الأجداد وامتلكوا إمكانية التفاعل مع المواد، وصنعوا بذكائهم الفطري أدواتهم من الطبيعة.
أخضر وأحمر
وأوضح سعيد الشحي الذي يصنع يدوياً الكثير من الأدوات، منها المدخن المزين بالنقوش والدِلال والجِرار والقدور، أن مهنته تمر بعدة مراحل. والبداية مع جلب الطين الخام الذي ينقسم إلى نوعين، طين أخضر وطين أحمر من قمم جبال رأس الخيمة، يعمل على دقِّه ثم غربلته ليصبح ناعماً. والمرحلة الثانية تحويله إلى عجينة يطلق عليها اسم «غيلة»، لتكون جاهزة لتشكيل مختلف الأدوات بطريقة تقليدية في المحرقة.
قرص خشبي
يحافظ الشحي حتى اليوم على ممارسة هذه المهنة بالطريقة التقليدية نفسها، مستخدماً الأدوات القديمة، بحيث تُعد «العجلة» القطعة الرئيسة في آلة صنع الفخار بالإضافة إلى معدات صغيرة أخرى كالخيوط وقطع القماش والخشب. وذكر أن صانع الفخار يستطيع أن يشكِّل أو يزيل الزوائد من الفخار قبل تجهيزه وتزيينه وزخرفته بأشكال عتيقة. ويُدار هذا القرص الخشبي أو المعدني بوساطة عجلة أخرى من الحجر، يحركها الصانع بإحدى قدميه للتحكم في سرعة الدوران، ما يتيح له التعامل مع الطين.
من الطبيعة
وبالنسبة للأدوات التي يصنعها الشحي من الفخار، أشار إلى أن الأعمال الفخارية في الإمارات تتميز بالتنوع والثراء. وقال: نصنع مختلف الأدوات التي استعملها أجدادنا سابقاً، بينها «اليحلة» «والحَب» اللذان يُستخدمان لتبريد المياه، و«الخرس» لتخزين التمور، إضافـة إلى الصحون والقدور والمداخن.
الطين
صنع الأجداد احتياجاتهم الضرورية من الطين، الذي شكَّل المادة الأولية في صنع الفخاريات لقدرته على تحمّل النار.
العجين
تستغرق رحلة البحث عن الطين المناسب عدة أيام للحصول على الجيد منه، وبعدها تأتي مرحلة تشكيل العجين وصولاً إلى الحرق. وتُستخدم هذه الأدوات في الحياة اليومية لحفظ الماء وطهي الطعام وتخزين التمور، ما يضفي نكهة خاصة على المواد ولا يضر بها.