أنور عبد الخالق (أبوظبي)

القارئ الشيخ محمد رفعت.. بصمة صوتية فريدة في تلاوة القرآن الكريم.. سامعه يعيش معاني القرآن ومواقفه.. لقب بـ «الصوت الباكي».. وكان يتلو القرآن ودموعه على خديه.. افتتح بث الإذاعة المصرية سنة 1934، وطلبته الإذاعة البريطانية لتسجيل القرآن، وعرف بقوة صوته وبقدرته على الوصول لأكثر من 3 آلاف شخص في الأماكن المفتوحة.
ولد الشيخ محمد رفعت في 9 مايو 1882 بدرب الأغوات بحي المغربلين بالقاهرة، وفقد بصره وهو في سن الثانية من عمره، بدأ حفظ القرآن في سن الخامسة، عندما أدخله والده كُتّاب مسجد فاضل باشا بدرب الجماميز بالسيدة زينب، وأكمل حفظ القرآن ومجموعة من الأحاديث النبوية سريعاً، ولتميزه ونبوغه رشحه شيخ الكتاب لتلاوة القرآن في المجالس، ودرس علم القراءات والتجويد لمدة عامين على الشيخ عبد الفتاح هنيدي صاحب أعلى سند في وقته ونال اجازته. 
وفي وقت يستعد فيه للالتحاق بالدراسة في الأزهر الشريف، توفى والده والذي كان يعمل مأموراً بقسم شرطة الجمالية، وهو في التاسعة من عمره فوجد نفسه مسؤولاً عن أسرته وعائلها الوحيد، ليتحول مسار حياته ليحترف تلاوة القرآن الكريم لرعاية العائلة، حتى أصبح معروفاً في القاهرة، وبعدها تلقى دعوات لترتيل القرآن في مختلف المحافظات، وعرف بقوة صوته لدرجة أنه يستطيع من خلاله الوصول لأكثر من 3 آلاف شخص في الأماكن المفتوحة.

قراءة القرآن
في عام 1918عين محمد رفعت قارئاً للسورة بمسجد فاضل باشا بحي السيدة زينب، ونال محبة الناس، واستمر يقرأ فيه حتى اعتزاله وفاء للمسجد الذي شهد ميلاده في عالم القراءة منذ الصغر. ولشهرته الواسعة افتتح بث الإذاعة المصرية سنة 1934م، بعد استفتاء شيخ الأزهر الشريف وقتها محمد الظواهري حول جواز إذاعة القرآن الكريم، فأفتى له بجواز ذلك ليفتتحها بالفعل بآية من أول سورة الفتح «إنا فتحنا لك فتحاً مبيناً»، وعندما سمعت إذاعة بي بي سي صوته طلبت منه تسجيل القرآن، وتأثر بصوته عمالقة التلاوة منهم الشيخ أبو العينين شعيشع، حتى إن الإذاعة المصرية استعانت به لتعويض الانقطاعات في تسجيلات الشيخ محمد رفعت، كما كان الشيخ محمد رشاد الشريف مقرئ المسجد الأقصى من المتأثرين بالشيخ رفعت.

أسلوب فريد
عرف الشيخ رفعت بأسلوبه الفريد والمميز في تلاوة القرآن، وكان يتلو بتدبر وخشوع يجعل سامعه يعيش معاني القرآن الكريم ومواقفه بكل جوارحه، وامتلك طاقات صوتية هائلة، جعلته يستطيع الانتقال بسلاسة بين المقامات في أثناء تلاوته، وصفه الشيخ أبو العينين شعيشع بالصوت الباكي، لأنه كان يقرأ القرآن وهو يبكي، ودموعه على خديه، وكانت معظم تلاواته بمسجد فاضل باشا في القاهرة، ويقصده الناس للاستماع إلى تلاواته، وكانت الإذاعة المصرية تبث تلاوته من المسجد، إضافة إلى تلاواته على الهواء من دار الإذاعة المصرية.

قارئ القرآن لا يهان
أصيبت حنجرة الشيخ محمد رفعت في عام 1943، فتوقف عن التلاوة، وأنفق على علاجها كل ما يملك ولم يمد يده إلى أحد، لدرجة أنه اعتذر عن قبول مبلغ خمسين ألف جنيه جمعت لعلاجه، رغم أنه لم يكن يملك تكاليف العلاج، وكان جوابه: «إن قارئ القرآن لا يهان».

النهاية
فارق الشيخ رفعت الحياة في 9 مايو عام 1950، وكان حلمه أن يُدفن بجوار مسجد السيدة نفيسة، حتى تقرر منحه قطعة أرض بجوار المسجد فقام ببناء مدفنه عليها، وكان من عادته أن يذهب كل اثنين أمام المدفن ليقرأ ما تيسر من آيات الذكر الحكيم.
ونعته الإذاعة المصرية عند وفاته بقولها: «فقدنا اليوم عَلَماً من أعلام الإسلام»، أما الإذاعة السورية فقالت: «مات القارئ الذي وهب صوته للإسلام».
وقال شيخ الأزهر الأسبق مصطفى المراغي: «هو منحة من الأقدار حين تهادن وتجود، بل وتكريم منها للإنسانية».