هناء الحمادي (أبوظبي) 

مارست المرأة الإماراتية منذ القِدم العديد من المهن، ولم تقف مكتوفة الأيدي أمام كثرة الأعباء، بل زاولت حرفاً توفر الاحتياجات الأساسية للمنزل، مثل «سفّ الخوص». وكان ذلك إلى جانب واجباتها في تربية الأبناء والاهتمام بشؤون البيت.

سعف النخيل
الوالدة مريم السعدي لها باع طويل في حرفة «سفّ الخوص» التي تعلمتها منذ الصغر، وهي تشارك في المهرجانات التراثية، تمارس عملها بدقة وإتقان، وتحرص على تعليمه لصغار السن. قالت: هذه الحرفة تحتاج إلى الصبر وطول البال، حيث تبدأ عملية «سفّ الخوص» بتجميع سعف النخيل الذي تقوم به المرأة، وفي بعض الأحيان توكل هذه المهمة إلى الرجل، وتأتي بعدها عملية الفرز واختيار الجيد منه، ثم يُنقع في الماء حتى تقل خشونته ويسهل تشكيله.

نقع وطلاء
وذكرت مريم أن حرفة «سفّ الخوص» لا تتطلب أدوات أو مستلزمات، وإنما الخبرة والإبداع، مشيرة إلى أن المرأة في الماضي كانت حرفية متميزة، فهي ناسجة السدو والسجاد، وصانعة الخوص والخزفيات. وهي حرفة دقيقة لا تقل في شأنها عن الحرف الأخرى، إذ تحتاج إلى التركيز والمتابعة. ولإضفاء المزيد من الجمالية، تقوم النسوة بصبغ السعف من خلال نقعه في بعض المواد الطبيعة التي تُجلب من العطارات أو الأسواق الشعبية. ولا يُطلى كل الخوص باللون نفسه، بل هناك كمية محددة تُنقع في الماء لمدة قصيرة، ثم تُمزج بالألوان الطبيعية لتخرج في النهاية كتحف فنية جميلة وفريدة.

«القفة»
وأضافت مريم السعدي: في زمن الأوّلين كنا نستعمل أدوات مصنوعة من الطبيعة وأشجار النخيل. وكانت السفرة التي نأكل عليها من سعف النخيل، وكذلك الحصير الذي يفرش في الحوش، وكان الرجال يحملون «الجفران» لوضع السمك فيها. كما كان البحارة يستخدمون «القفة» الكبيرة، وكانت مكانس التنظيف تُصنع من السعف أيضاً، وتوجد أدوات منزلية كثيرة تستخدم فيها أجزاء مختلفة من النخلة، مثل سلال حفظ المواد الغذائية، و«المكبة» لتغطية الأطعمة وحفظها من الحشرات والغبار، و«الجراب» الذي يُحفظ فيه التمر وأدوات أخرى.

حلقة وصل
تسترجع السعدي بشريط الذكريات بداياتها مع «سفّ الخوص» التي تعمل عليه بكل شغف، لافتة إلى أنه من المهن التراثية القديمة التي ارتبطت بالفلاحين تحديداً. تقوم المهنة على جمع أوراق النخيل التي تُجدل بطريقة تضيق أو تتسع حسب نوعية المنتج، وتتناقلها النساء بالوراثة، حيث تحرص الأم على تلقين ابنتها أصول الحرفة. وفي بعض الأحيان يتشارك الرجال في العمل، ولا يزال الكثير من الحرفيين يمارسونها كحلقة من حلقات الوصل بين الماضي العريق والحاضر المُشرِّف، إذ إنها تُجسد الأصالة العربية التي كان عليها الأجداد.

خامات بسيطة
وقالت مريم السعدي: «سفّ الخوص» حرفة نسائية بالدرجة الأولى، يمكن للصانعات أن ينجزن عملهن فيها ببيوتهن، ونساء كثيرات من مختلف الفئات العمرية يتقنّ حتى اليوم صناعات يدوية مختلفة من سعف النخيل، ويتخذنها مهنة لهن. وقد تعلمنها من الجدات والأمهات، وهي تتطلب دقة في التشكيل، فضلاً عن الذائقة الجمالية. وأوضحت أن الحرف التراثية القديمة تكشف واقع حياة الأمهات في الماضي، وكيف استطعن تطويع الخامات البسيطة لإنتاج أدوات ومقتنيات تلبي احتياجاتهن، وتسهل عليهن الحياة.

تراث الأجداد 
قالت مريم السعدي: لا يمكن أن ننسى تراث آبائنا وأجدادنا وحياتنا الأولى، لذا نعمل على غرس روح العمل في نفوس أبناء الجيل الحالي وربطهم بالماضي وتذكيرهم بالمهن الأصيلة.

ألوان 
المصنوعات السعفية ألوانها براقة صارخة مثل الأحمر والبنفسجي والأخضر والأصفر، تتداخل بصورة استثنائية، وتكشف براعة الحرفيات والحرفيين قديماً، والذين لم يتركوا حيلة إلا واستخدموها لاستغلال كل ما تقع عليه أيديهم في البيئة المحلية بصورة تبعث إلى الاحترام والتقدير.