هناء الحمادي (أبوظبي)

يحتل البرقع الإماراتي مكانة عالية في المجتمع المحلي على الرغم من مظاهر الحداثة والتطور التي يشهدها. وهذا التقليد التراثي يتخذ أبعاداً مختلفة عن الحياة قديماً، عندما كانت المرأة تزيِّن وجهها يومياً بالبرقع، سواء في المناسبات العامة أو الخاصة. ونساء اليوم، يرتدينه غالباً في الأعراس والأعياد والاحتفالات التراثية، ولا يقتصر لبسه على الأمهات وكبيرات السن وحسب، وإنما الفتيات أيضاً.

حرفة تراثية 
يمثل «قرض البراقع»، إحدى أبرز الحرف التراثية التقليدية، التي لا تزال تمارَس حتى اليوم. وعتيجة عبد الله المنصوري، من الحرفيات اللاتي يمارسن هذه الحرفة في مركز الصناعات التراثية والحرفية بـ «الاتحاد النسائي العام»، حيث اكتسبت الخبرة منذ طفولتها. وذكرت أن «قرض البراقع»، حرفة توارثتها الجدات والأمهات في الإمارات، وتبارين منذ القدم في الاحتفاء بها لما تعكسه من حشمة للمرأة الإماراتية، إذ تتميز به المتزوجة عن العزباء. وعتيجة سجلها حافل بمشاركاتها في العديد من المهرجانات التراثية والوطنية، حيث تعمل بدقة وصبر في حرفة تحتاج إلى الكثير من العمل والإتقان. وقالت: في الماضي كانت «حريم أول» يحرصن على ارتداء البرقع، كجزء من زينتهن وزيهن الشعبي، وكان لزاماً عليهن تغطية وجوههن عند بلوغهن أو عند عقد قرانهن في «الملجة» بهدف الوقار والستر.

صناعة البرقع 
وذكرت عتيجة أن البرقع يُعد من أهم مكونات الأزياء الشعبية التقليدية، وأداة من أدوات الزينة عند النساء قديماً، حيث يستخدمنه لتغطية الوجه، كجزء لا يتجزأ من العادات والتقاليد. وأوضحت وهي تمسك ببرقع قد شارفت على الانتهاء من صناعته، أن برقع الفتاة ذهبي اللون مائل إلى الأصفر اللامع، وفتحتا العينين فيه واسعتان. أما برقع كبيرات السن فتضيق فيه فتحة العين، وتتسع مساحته لدرجة تغطي مساحة الوجه، ولونه بنفسجي مائل إلى الأحمر اللامع. واستطردت: يُعتبر «قرض البراقع» من الحرف التقليدية البسيطة، وذلك بسبب تواضع المواد والأدوات المستخدمة في إنجازه، ما يؤكِّد مدى استغلال المرأة في الماضي للإمكانات المتوفرة في بيئتها، وتطويعها لتلبية وتوفير احتياجاتها. كما أن تجهيزه لا يستغرق وقتاً طويلاً، إذ يتطلب إنجاز برقع واحد ساعة واحدة، أو أكثر بقليل حسب حجمه.

الشيل والجبهة 
وأشارت عتيجة المنصوري إلى أن البرقع قديماً كان سعره درهماً أو نصف الدرهم، موضحة أن المواد التي يُصنع منها، هي قماش يُعرف بـ «الشيل»، ويتميز بألوانه منها، الأصفر والأخضر والفضي والأحمر والبنفسجي والأسود. وهذه الأقمشة كانت تصبغ البشرة لأنها لم تكن مبطَّنة في الزمن الأولي، وكانت حمرة القماش تعطي الخدود لوناً جميلاً، لذا كان من المعيب أن تخلع المرأة أو الفتاة برقعها حتى لا تظهر الألوان على وجهها. ويتألّف البرقع من الجبهة، وهي الخط المستقيم في الأعلى، والذي يقطعه «السيف» إلى قسمين متساويين، أما منطقة العينين، الخرّة، فهي الانحناءات الممتدة من الجبهة وحتى آخر فتحة العين من الجانبين.

أشكال وألوان 
وقالت عتيجة: إن البرقع يغطي معظم الوجه باستثناء العينين اللتين تخصَّص لهما فتحتان يفصل بينهما «السيف»، وهو عصا خفيفة تتخذ الشكل المستطيل، وتوضع في وسط البرقع لتثبيته، وتكون على الأنف عند ارتدائه. وتُستخدم في حياكته الإبرة والخيط العادي، عدا خيط «شبق» لتثبيته على الرأس، ولونه إما أحمر أو فضي، وقد استُخدم الذهبي منه حديثاً. وأضافت: ظلت أشكال البرقع وألوانه ثابتة لفترة من الزمن، إلا أن الموضة طرأت عليه، ولجأت بعض السيدات ميسورات الحال في الماضي إلى تزيين جوانب مختلفة منه بالذهب، ما يؤكد ارتباطه بالزينة. ومع مرور الوقت اكتسحت التغييرات أشكاله التي بدأت تُظهر ملامح الوجه.

ستر واحتشام 
كان البرقع دليل ستر واحتشام، وبتطور المجتمع بدأ شكله يتغيّر، ودخلت عليه مستجدات في نوعية الأقمشة وطريقة التصميم والأكسسوارات المكملة له. 

رمز الهوية 
أوضحت عتيجة المنصوري أن البرقع يمثل رمزاً للهوية الوطنية، وجزءاً من أزياء المرأة الإماراتية. ويجب الحفاظ عليه من الاندثار ليبقى رمزاً وطنياً، وذلك بتنظيم ورش «قرض البراقع» التي تشرف عليها متخصصات في الحرفة، لتعليمها للفتيات، وتعريف الثقافات الأخرى بهويتنا وتراثنا.

مفردة تراثية 
البرقع مفردة تراثية قديمة كانت مرتبطة بزينة وملابس المرأة الخليجية، وقد درجت العادة قديماً بألا تخلعه المرأة أبداً حتى عندما تخلد إلى النوم. ويرجع ذلك إلى سكن الأسرة الممتدة في مكان واحد، بدءاً من كبير العائلة حتى صغيرها، وكان من غير المستحب أن تكشف المرأة عن وجهها حتى على أقاربها.